للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

-كما يقول الحارث-أنَّه يحمي فيأنف أن يقهر أو يذمَّ بأنه غُلب أو غلب قومه، فيقاتل لذلك".

قال: "الرجل يقاتل ليرى مكانه" وهذا طلب الحمد بالقلب ومعرفة القدر.

قال: "ورجل يقاتل للذكر" وهذا طلب الحمد بالألسن.

وذكر حديث ابن مسعود: "إذا التقى الصفان نزلت الملائكة فيكتبون الناس على نياتهم، فلان يقاتل للذِّكر"، ومعنى ذلك حمد المخلوقين.

"وفلان يقاتل للملك" وهذا جمع الدنيا.

وقد أرجع الحارث المحاسبي هذه الثلاثة التي تبعث على الرياء وتهيجه إلى اثنتين ثمَّ إلى واحدة، قال: "ويجمع ذلك كلّه حبّ المحمدة وخوف المذمة، لأن العبد يعلم أنه لا ينال ما عند الناس بطاعة ربه إلاَّ أن يحمدوه عليها، فتبذل له أموالهم، وأنّه ما جزع من الذمّ لحبه للمحمدة كراهية أن يزول عنه حمدهم، فتؤول هذه الثلاثة إلى حب المحمدة، إلا أنها تشعبت وتفرقت على أقدار الناس، وقدر مراتبهم" (١).

وقد استثنى الإمام مالك -رحمه الله تعالى- وتابعه ابن العربي (٢) من هذه الأفعال التي هي رياء، تلك العبادات التي يظهرها العبد، كي تثبت عدالته، وتصحّ إمامته، وليُقْتدى به، قال القرطبي: "قال ابن العربي: إنَّ من صلى صلاة لِيُرِها الناس، ويرونه، فيشهدون له بالإيمان، أو أراد طلب المنزلة والظهور، لقبول الشهادة وجواز الإمامة، فليس ذلك بالرياء المنهي عنه، ولم يكن عليه حرج، وإنما الرياء في المعصية أن يظهرها صيدا للناس وطريقا إلى الأكل، فهذه نيّة لا تجزىء وعليه الإعادة.


(١) الرعاية ١٣٩.
(٢) راجع تفسير القرطبي ٥/ ٤٢٣.

<<  <   >  >>