للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مجبولة على حبِّ الرئاسة والمنزلة في قلوب الخلق إلاّ من سلَّم الله، وقد أحسن الشاعر حيث يقول:

يهوى الثناء مبرِّز ومقصر ... حبّ الثناء طبيعة الِإنسان

وقد لا نكون مغالين في القول إذا ذهبنا إلى أن الداعي إلى الرياء أعظم من الداعي إلى الشرك الأكبر، فالشرك الأكبر معدوم في قلوب المؤمنين الصادقين، ولهذا يكون الإلقاء في النّار أسهل عندهم من الكفر كما جاء في الحديث.

أما داعي الرياء فهو من الدنيا التي قال الله فيها: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحياةَ الدنْيَا} (١)، وقال: {بلْ تُحِبُّونَ الْعَاجلَةَ وتَذَرُونَ اْلآخِرَةِ} (٢)، والأمور التي تدعو إلى الرّياء مغروسة في أعماق النفس الِإنسانية، فهي حبيبة إلى نفس الإنسان، أثيرة لديه، وقد حصرها الحارث المحاسبي (٣) في ثلاثة أمور:

"حبّ المحمدة وخوف المذمة، والضعة (٤) في الدنيا، والطمع لما في أيدي الناس".

ولا يحتاج هذا الذي قرره المحاسبي إلى دليل فالِإنسان يجد في نفسه: "أنّه يحب أن يعلم العباد بطاعته لربّه، فيوصل ويعطى ويكرم، ويحبّ أن يحمد: يثنى عليه ويعظّم، ويكره أن يذمَّ، فيفعل الطاعة لئلا يذم بقلّة الرغبة فيها" (٥).

وقد شرح لنا الحارث المحاسبي حديث أبي موسى الأشعري، وبين دلالته على أن الرياء إنما يبعث عليه الأمور الثلاثة التي ذكرها، فالأعرابي السائل للرّسول صلى الله عليه وسلم، يقول: "يا رسول الله، الرجل يقاتل حمية" (٦)، ومعنى ذلك


(١) سورة الأعلى / ١٦.
(٢) سورة القيامة/ ٢٠ - ٢١.
(٣) الرعاية ١٣٨ - ١٣٩.
(٤) الضعة: الدناءة، والوضيع: الدنيء.
(٥) الرعاية ص ١٣٩.
(٦) سبق تخريجه.

<<  <   >  >>