للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومما يؤكد هذه المسألة أن الشارع يعاقب ويثيب على الأفعال المتولدة من فعل العباد، ففي الصحيحين أنَّه قدم وفد من مضر فقراء ظهرت على أجسادهم آثار الجهد، فآلم الرسول -صلى الله عليه وسلم- حالهم، فخطب في المسلمين حاثّا إيّاهم على الصدقة، فتباطأ الصحابة، فجاء رجل بصرة -في صحيح مسلم عين أنها من فضة- كادت كفّه أن تَعْجِزَ عن حملها، بل قد عجزت، فأثر هذا في نفوس الصحابة فانطلقوا يأتون مما عندهم، حتى اجتمع عند الرسول -صلى الله عليه وسلم- كومان من مختلف الأشياء: نقود، وطعام، وثياب ... ، فقال صلى الله عليه وسلم: "من سن سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء" (١).

والداعي إلى الهدى أو الضلالة لما كانت إرادته جازمة في دعوته فإنّ له من الأجر مثل أجور من تابعه، لا ينقص من أجورهم شيء، وعليه مثل أوزار من تابعه، لا ينقص من أوزارهم شيء، يقول صلى الله عليه وسلم: "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه من غير أن يناقص من أجورهم شيء، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الوزر مثل أوزار من تبعه، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء" (٢).

وتصديق ذلك في كتاب الله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (١٢) وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ} (٣).


(١) رواه مسلم، انظر النووي على مسلم (٧/ ١٠٢)، ورواه النسائي كتاب (الزكاة ٦٤)، وأحمد في مسنده (٤/ ٣٥٧، ٣٥٩، ٣٦٠).
(٢) رواه مسلم (مشكاة المصابيح ١/ ٥٦).
(٣) سورة العنكبوت (١٢ - ١٣).

<<  <   >  >>