للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بأمر من أكل بالإمساك، ثمّ زيادته بأمر الأمهات أن لا يرضعن فيه الأطفال، وبقول ابن مسعود الثابت في صحيح مسلم: "لما فرض رمضان ترك عاشوراء، مع العلم بأنه ما ترك استحبابه، بل هو باق، فدلّ على أن المتروك وجوبه" (١).

وقد ضعف ابن حجر قول من قال: "المتروك تأكد استحبابه، والباقي مطلق استحبابه"، وقال: "لا يخفى ضعف هذا القول، بل تأكد استحبابه باق، ولا سيما مع استمرار الاهتمام به حتى عام وفاته -صلى الله عليه وسلم- حيث يقول: "لئن عشت لأصومن التاسع والعاشر"، ولترغيبه في صومه، وأنَّه يكفر سنة، وأي تأكيد أبلغ من هذا؟ (٢).

والجمع بين حديث معاوية الذي يخبر فيه الرسول -صلى الله عليه وسلم- أنَّ الله لم يكتب علينا صيام يوم عاشوراء وحديثي عائشة وابن مسعود الدالّين على أنَّه كان واجبا ثم نسخ، أنَّ صوم عاشوراء ليس مما أوجبه الله تعالى بقوله: {كُتِبَ عَلَيْكمُ الصيَام كمَا كُتِبَ عَلَى الذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} (٣).

أو يقال: "لم يكتب عليكم صيامه"، أي لم يكتب عليكم صيامه على الدوام كصيام رمضان.

ومما يؤكد أنَّه كان واجبا أن رواة الوجوب هم من الصحابة المتقدمين الذين شهدوا أمره بصوم عاشوراء والنداء بصومه في السنة الأولى، أو أوائل العام الثاني من الهجرة، ومعاوية الذي روى عدم الوجوب من مسلمة الفتح فلم يشهد ما شهد أولئك (٤).

وإذ حققنا أن صوم عاشوراء كان واجبا فهل يتم للأحناف الاستدلال بالحديث على جواز صيام رمضان بنيّة من النهار؟


(١) فتح الباري (٤/ ٢٤٧).
(٢) المصدر السابق.
(٣) سورة البقرة (١٨٣).
(٤) راجع فتح الباري: (٤/ ٢٤٧).

<<  <   >  >>