للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفريق آخر من العلماء لا يمانع في تعريف النية بالقصد والعزم إلاّ أنّه لا يرى أنَّ القصد والعزم قسمان للنيّة، بل قسيمان (١) لها، وتعريفها بهما من باب "التوسع في الاستعمال، فإنَّ النية والعزم والقصد متقاربة المعاني" (٢).

وقد جعل القرافي النية والقصد والعزم والمشيئة ... من أقسام الإرادة (٣)، وممن قال بذلك النووي فهو يقول: "الِإرادة والنية والعزم متقاربة، فيقام بعضها مقام بعض مجازا" (٤).

وقد رفض الكرماني (٥) -رحمه الله- تعريف النية بالعزم، فقد نقل في شرحه لصحيح البخاري تعريف الِإمام النووي للنية: "والنية هي القصد وعزيمة االقلب"، ثم قال: "أقول ليس هو عزيمة للقلب"، وحجته ما قرره المتكلمون من أنَّ "القصد إلى الفعل هو ما نجده في أنفسنا حال الإيجاد، والعزم قد يتقدم عليه، ويقبل الشدَّة والضعف، بخلاف القصد" (٦). والذي دعا الكرماني إلى رفض تعريف النية بالعزم أمران كما هو واضح من كلامه:

الأول: أنَّ النيَّة يجب أن تقارن الفعل، ولا يجوز أن تتقدم عليه، والعزم قد يكون مقارنا، وقد يتقدم على الفعل.

الثاني: أنَّ عزيمة القلب قدر زائد على أصل القصد.


(١) هناك فرق بين قسمان وقسيمان، فالمراد بقسمان: أن العزم والقصد جزآن للنية، أما المراد بكونهما قسمين أي أن القصد والعزم والنية أقسام لكلمة أعم منها هي الإرادة.
(٢) نهاية الأحكام للسيوطي نقلا عن القرافي في (الأمنية) (١٤/ أ).
(٣) منتهى الآمال (١٤/ أ).
(٤) المجموع (١/ ٣٦٧).
(٥) هو محمد بن يوسف بن علي الكرماني، أصله من كرمان، واشتهر بغداد، وأقام بمكة، له الكوكب الدراري شرح صحيح البخاري)، و (شرح مختصر ابن الحاجب)، ولد سنة (٧١٧ هـ) توفي بغداد سنة (٧٨٦ هـ).
(معجم المؤلفين ١٢/ ١٢٩)، (بغيه الوعاة ١/ ٢٧٩).
(٦) الكرماني على البخاري (١/ ١٨)، ونقله عن العيني (١/ ٢٣)، وانظر منتهى الآمال (١٣/ أ، ب).

<<  <   >  >>