ونحن ندرك بدون عناء كبير بما نلاحظه في أنفسنا وفي نفوس الآخرين من حولنا أنَّ الأهداف التي نرسمها في تصوراتنا تنتصب أمامنا بحيث تشدنا إليها شدا، ولا تزال تشغل عقولنا، وتتراءى لنا مهما شغلنا عنها في غمرات الحياة، ولا نستريح ولا نهدأ حتى ندركها، وإلا بقيت حرة في قلوبنا، وألما ممضًّا في نفوسنا.
ولذلك عني الباحثون على اختلاف مشاربهم بهذا الجانب، كي يعرفوا السبيل الذي يوجه به سلوك الِإنسان نحو ما يريدون تحقيقه وإيجاده، فعلماء التربية يريدون من وراء هذا أن يندفع الناشئة اندفاعا ذاتيا إلى تحقيق الأهداف التي يرسمونها، ويحددونها.
ورجال الاقتصاد يريدون أن يصل الإنتاج إلى قمته، ولا يتحقق ذلك إلاّ إذا انبعث العمال إلى العمل عن رضا وطواعية معتقدين أن هذا العمل يحقق لهم خيرا وصلاحا ... وهكذا.
والإسلام جاء لإصلاح النفس الإنسانية، ومنزِّله هو العليم بهذه النفس، ولذلك لم يرغم الِإنسان على اعتناقه والعمل بموجبه، لأن الِإكراه مخالف لفطرة الِإنسان، ومخالف للحكمة التي أوجد الِإنسان من أجلها، ولذلك كان السبيل الذي سلكه الإسلام هو توضيح الغاية التي ينبغي أن يسعى الإنسان إلى تحقيقها، وبيان الأسباب التي تدعو إلى ذلك، والنتائج الخيرة التي ينالها الِإنسان من وراء هذا، وتوضيح العواقب السيئة والآثار البالغة الخطورة المترتبة على التوجه إلى غير الغاية التي رسمها، وعندما نطالع النصوص الِإسلامية في القرآن والحديث ندرك مدى العناية بإيضاح الغاية وتجليتها والكشف عن أبعادها.
ويكفينا في هذا أن نعلم أن الغاية التي يرجوها المسلم من وراء أفعاله هي المعيار الذي يقوّم به عمله، فالأعمال تصبح ذات قيمة أو تفقد قيمتها باعتبار الغاية التي يرمي إليها العامل من عمله، فالذي يصلي ابتغاء مرضاة الله عمله أفضل