للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

السعادة لا يمكن تحققه إلاّ بمحاربة الأهواء والرغبات المادية، وترك اللذائذ ومتع الحياة" (١).

وقد نادى (زينون) مؤسس المدرسة الرواقية المشهورة باسم مدرسة أهل العزيمة والجلد، قبل الميلاد بثلاثة قرون، نادى الناس زاعما أنَّ "مبدأ الفضيلة هو التحرر من اللذائذ والآلام جميعا، وطالبهم بأن يكافحوا العاطفة الإنسانية، والوجدان الطبيعي، والبلوغ بهما من الجمود والتحجر إلى حد الجسارة على الانتحار" (٢).

وفي فارس الكسروية ظهر (ماني) داعيا إلى حياة العزوبة، لحسم مادة الشرّ والفساد من العالم، وأعلن أن امتزاج النور بالظلمة شرّ يجب الخلاص منه، فحرّم النكاح استعجالا للفناء (٣).

والديانة النصرانية تحوّلت بعد دين المسيح إلى قيود متزمتة، تتشدّد بها الكنيسة ورجال الدّين، حتى حولوها إلى رهبانية تنعزل عن الحياة، وتزعم أن العباد لا يحصلون على ملكوت السماء إلا إذا قهروا نوازع النفوس، وحجتهم في زعمهم هذا أنّ هذه النوازع دنس وقذارة ينبغي أن يتطهر منه الأتقياء الذين يخشون ربَّهم ويرجون لقاءه. وعدَّ علماء النصارى الاستجابة للغريزة الجنسية بالزواج رجسا، ودعوا إلى الانقطاع عن الشهوة المدمرة التي تنهك الجسد، وقد علمنا من حال الرهبان ما تقشعر لهوله الأبدان، فقد مكث أحدهم خمسين عاما لم يغتسل مرّة واحدةفي وآخر مكث في مغارة عشر سنوات لا يرى الشمس، وثالث كان يجلد جسده كل يوم حتى تقرح، أما انقطاعهم في الفيافي والقفار، وبعدهم عن الزواج، وتركهم الدنيا، فذلك أشهر من أن يذكر، وأوضح من أن يكتب فيه!!

فماذا كانت النتيجة لتجربة الأمم من قبلنا التي سلكت هذا السبيل؟ لقد ثارت الفطرة، وتمردت، فدفعت بهؤلاء الذين حاربوها إلى الاستجابة لها بالطرق


(١) الاتجاه الأخلاقي ص ٥٨.
(٢) الدين لدراز ص ١٦.
(٣) ماذا خسر العالم ص ٢٤٠.

<<  <   >  >>