للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال: "أَرَأَيْتمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي الْحَرَام أَلَيْسَ يَكُونُ عَلَيهِ وزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الحَلَالَ لَهُ أَجْر" (١).

إنّ الذي يرفضه الإسلام أن يسعى العبد لنيل حظه من الدنيا بهواه من غير الطريق الذي ارتضاه الشارع، كالذي ينال شهوته بالزنى أو اللواط، وكالذي يروي ظمأه بالخمر، وكالذي يملأ بطنه بلحم الخنزير والميتة.

ويرفض الإسلام أن تشغل الدنيا العبد عن طاعة الله، وأن تصبح ميدانا للصراع والتنافس، بحيث تثور الأحقاد، ويصبح همّ الناس التكالب على الدنيا، والتصارع على متاعها.

أما ما يصيب العبد من نسيان للآخرة حال ملابسته للدنيا فذلك أمر لا يمكن أن يتخلص منه الإنسان، وقد عانى من هذه ألحال حنظلة الأسيدي (٢) أحد كتاب الوحي، قال: كنا عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكّرنا الجنّة والنّار، حتى كأنا رأي عين، فقمت إلى أهلي وولدي، فضحكت، ولعبت، فذكرت الذي كنا فيه، فخرجت، فلقيت أبا بكر، فقلت: نافقتُ يا أبا بكر، فقال: وما ذاك؟ قلت: نكون عند النبيّ -صلى الله عليه وسلم- يذكرنا الجنة والنّاركأنّا رأي عين، فإذا خرجنا من عده عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات، فنسينا.

فقال أبو بكر: إنا لنفعل ذلك. فأتيت النبيّ -صلى الله عليه وسلم- فذكرت له ذلك، فقال: "يَا حَنْظَلَةُ لَوْ كنتم عندَ أَهْليكُمْ كَمَا تَكونونَ عِنْدِي لَصَافحتكمُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرشِكُمْ، وَفِي الطَّرِيقِ، يَا حَنْظَلَة سَاعَة وَسَاعَة" (٣).


(١) رواه مسلم في صحيحه وابن ماجه في سننه (انظر الترغيب والترهيب ٣/ ٢٣٦)، وعزاه في صحيح الجامع (٢/ ٣٥٦)، إلى أحمد في مسنده بالإضافة إلي مسلم وابن ماجه.
(٢) هو حنظلة بن الربيع بن صيفي، وكان أحد كتاب الوحي، شهد القادسية، واعتزل الفتنة، توفي سنة (٤٥ هـ).
راجع: (تهذيب التهذيب ٣/ ٦٠)، (والكاشف ١/ ٢٦٠).
(٣) رواه مسلم والترمذي (جامع الأصول ١/ ٢٢٠)، وعزاه في كنز العمال (١/ ٣٥٥)، إلى أبي نعيم والطبراني.

<<  <   >  >>