للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ (٤٨) قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٤٩) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ} (١).

يقول الشاطبي في هذا الموضوع: "مخالفة ما تهوى الأنفس شاقّ عليها، وصعب خروجها عنه، ولذلك بلغ الهوى بأهله مبالغ لا يبلغها غيرهم، وكفى شاهدا على ذلك حال المحبّين، وحال من بعث إليهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من المشركين وأهل الكتاب وغيرهم. ممّن صمَّم على ما هو عليه، حتى رضوا بإهلاك النفوس والأموال، ولم يرضوا بمخالفة الهوى، حتى قال تعالى: {أَرأيْتَ منِ اتَّخذَ إِلَهَه هَوَاه} (٢)، وقال: {إنْ يتبعونَ إِلّا الظَّن وَمَا تَهْوى الأنْفس} (٣)، وقال: {أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنة منْ رَبهِ كمَن زُيِّنَ لَه سُوءُ عَمَلِهِ وَاتبَعوا أَهْوَاءَهمْ} (٤) (٥).

واتباع النّاس لأهوائهم أفسد دنياهم، ذلك أنَّ أصحاب النفوذ والسلطان يقضون عمرهم في الجري وراء الملذّات والشهوات، ويجاهدون في حيازة الدنيا، فيؤدي ذلك إلى ظلم الآخرين وحرمانهم من أبسط حقوقهم، فيموت الفريق الأول ويهلك بسبب التخمة، ويهلك الفريق الآخر، لأنَّه لا يجد ما يسدُّ به رمقه. يقول كانت معاصر (٦)، مبينًا أثر الإغراق في اتباع الشهوات في بعض الدول المتمدنة في التاريخ: "استحوذ على الناس في الدولتين: الفارسية والرومية حياة الترف


(١) سورة القصص: ٤٨ - ٥٠.
(٢) سورة الفرقان: ٤٣.
(٣) سورة النجم: ٢٣.
(٤) سورة محمد: ١٤.
(٥) الموافقات: ٢/ ١٠٩.
(٦) هو أبو الحسن الندوي.

<<  <   >  >>