للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الكون عالَمٌ من هذه العوالم التي أوجدها الله سبحانه لتعبده وتتوجه إليه، قال تعالى: {وَما خَلَقْتُ الجن والإنْس إلاّ لِيَعْبُدُونِ، مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ منْ رِزْقٍ، وَمَا أرِيد أَنْ يطْعِمُونِ، إن الله هُوَ الرزّاق ذُو القُوةِ الْمَتِينُ} (١).

فالعبادة هي غاية الوجود الإنساني (٢)، بل الكون كله ما وجد إلاّ لذلك، فحريٌّ بنا أن نبذل وسعنا في التعرف على مفهوم هذه العبادة التي من أجلها خلقنا.

ونحن عندما نحاول الكشف عن حقيقة العبادة يجب عينا أن نتوجه إلى كتاب ربِّنا وسنة نبينا، كي نتعرف من خلالهما على مفهوم العبادة، فما أنزل الله الكتب، ولا أرسل الرسل، إلاّ ليعرف الناس بالغاية التي خلقوا من أجلها، والسبيل الذي يحققون به تلك الغاية.

والناظر في نصوص الكتاب والسنة يجد أن مدلول العبادة فيهما شامل لا يقتصر على الفرائض، فالحياة في منهج الله وِحْدَة، كل ما فيها لله، والإسلام لا يفصل بين طريق الدنيا وطريق الآخرة، ولا يفرق بين الفرائض والسلوك، ويجعل كل حركة في حياة المسلم وثيقة الصلة بعقيدته، كي يتوجه بها إلى ربه، منفذا أمره، ومحققا رسالته، قال تعالى: {قل إنَّ صَلاتِي وَنسُكي وَمَحيايَ وَمَمَاتِي لله رب العَالَمِيْنَ، لا شَرِيْكَ لَهُ وَبذَلِك أمِرْت، وأَنَا أولُ الْمسلِمينَ} (٣).

والذي حققه ابن تيمية "أن العبادة: اسم جامع لكلِّ ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة" (٤).

ويزيد الأمر وضوحا بيان أنواع العبادات: "فالصلاة والزكاة والصيام والحجّ، وصدق الحديث وأداء الأمانة، وبر الوالدين وصلة الأرحام والوفاء بالعهود، والأمر


(١) سورة الذاريات / ٥٦ - ٥٨.
(٢) يوجد فرق بين عبادة الإنسان، وعبادة بقية الكون، فالكون مسخر يعبد ربه بلا كلفة، والإنسان عبادته باختيار وعناء.
(٣) سورة الأنعام / ١٦٢ - ١٦٣.
(٤) البرية (ص ٣٨).

<<  <   >  >>