للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عملاً أشرك فيه غيري تركته له أو تركته لشريكي" (١) فهذا ظاهر في عدم الاعتداد عند الله تعالى بذلك العمل.

وكذلك قوله تعالى: {وَمَا أُمروا إلا لِيَعْبُدُوا الله مخْلِصِين له الدينَ} (٢)، يدل على أن غير المخلص لله تعالى غير مأمور به، وما هو غير مأمور به لا يجزىء عن المأمور به، فلا يعتد بهذه العبادة وهو المطلوب".

ثم قال: "وتحقيق هذه القاعدة وسرها وضابطها أن يعمل للعمل المأمور به المتقرب به إلى الله تعالى، ويقصد به وجه الله تعالى، وأن يعظمه الناس أو بعضهم، فيصل إليه نفعهم أو يندفع به ضررهم، فهذا هو قاعدة أحد مسمى الرياء، والقسم الآخر أن يعمل العمل لا يريد به وجه الله النية، بل الناس فقط، ويسمى هذا القسم رياء الإخلاص، والأول رياء الشرك".

وبين أن أغراض الرياء ثلاثة: التعظيم، وجلب المصالح، ودفع المضار الدنيوية، والأخيران يتفرعان على الأول، فإنه إذا عظم انجلبت إليه المصالح، واندفعت عنه المفاسد.

ثم قال: "هذا الغرض الكلي في الحقيقة، وأما مطلق التشريك كمن يجاهد لتحصيل طاعة الله بالجهاد، وليحصل له المال من الغنيمة، فهذا لا يضره، ولا يحرم عليه بالإجماع، لأن الله جعل له هذا في العبادة، ففرق بين جهاده ليقول الناس: هذا شجاع أو ليعظمه الإمام فيكثر عطاؤه من بيت المال، هذا ونحوه رياء حرام، وبين أن يجاهد لتحصيل السبايا والكراع والسلاح من جهة أموال العدو مع أنه قد شرك، ولا يقال لهذا رياء بسبب أن الرياء أن يعمل ليراه غير الله من خلقه والرؤية لا تصح إلاّ من الخلق، فمن لا يرى ولا يبصر لا يقال في العمل بالنسبة إليه رياء، والمال المأخوذ في الغنيمة ونحوه لا يقال إنّه يرى ويبصر، فلا يصدق على هذه الأغراض لفظ الرياء لعدم الرؤية فيها.


(١) سبق تخريجه قريبا.
(٢) سورة البينة / ٥.

<<  <   >  >>