للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سبب إشكالا عظيما، إذ حكموا على العبادات التي قصد بها العابد أمرًا أقره الشارع أو أمرا يتحقق ضمنا بالبطلان.

فمن ذلك ما ذكره المؤلف من الصوم للتداوي أو لمن لا يستطيع الزواج، أو الوضوء تبردا أو تنظفا، ومن أمثلته انتظار الإمام المأموم بإطالة الركعة أو الركوع، والتجارة في الحج والغنيمة في الغزو.

فقد نصّ ابن حزم -رحمه الله- في المحلَّى (١) على أنَّ الذي "خلط بنية الطهارة للصلاة نية التبرد أو غير ذلك لم تجزه الصلاة بذلك الوضوء، برهان ذلك قوله تعالي: {وَمَا أُمِرُوا إِلّا لِيَعْبُدوا الله مخْلِصِينَ لَهُ الدينَ} (٢)، فمن مزج بالنية التي أمر بها نيّة لم يؤمر بها فلم يخلص لله تعالى العبادة بدينه ذلك، وإذا لم يخلص فلم يأت بالوضوء الذي أمره الله تعالى به".

وممن ذهب هذا المذهب القرطبي، قال في تفسيره: "من تطهر تبردا، أو صام محمّا لمعدته، ونوى مع ذلك التقرب، لم يجزه، لأنه مزج في نية التقرب نية دنياوية، وليس لله إلاّ العمل الخالص كما قال تعالى: {أَلَا لله الدِّينُ الْخَالِصُ} (٣)، وقال: {وَمَا أُمِرُوا إلا لِيَعْبُدُوا الله مخْلِصينَ لَه الدّينَ} (٤).

واستدلّ في موضع آخر بآية سورة هود: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ} (٥) على أن من توضأ لتبرد أو تنظف لا يقع قربة من جهة الصلاة، وهكذا كلّ ما كان في معناه (٦) ".

وحكى عدم إجزاء من قصد التبرد مع نيّة رفع الحديث النوويّ (٧) والحطاب (٨)، وضعَّفا القول بذلك.


(١) المحلَّى ١/ ٧٦، ٧٧.
(٢) سورة البينة / ٥.
(٣) سورة الزمر/ ٣.
(٤) سورة البينة / ٥.
(٥) سورة هود /١٥.
(٦) تفسير القرطبي ٥/ ١٨٠، ٩/ ١٤.
(٧) المجموع ١/ ٣٧٥.
(٨) الحطاب على خليل ١/ ٢٣٥.

<<  <   >  >>