للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الله، وأخبر أن الذين نالوا شيئًا من الغنيمة ينقص أجرهم وثوابهم، ولا يبطل مطلقا، ذلك أن ما نالوه من غنيمة يعد ثوابا دنيويا عاجلا، وقد قال أحد الصحابة: "فمنَّا من مات ولم يأكل من أجره شيئًا، ومنا من أينعت له ثمرته، فهو يهديها".

ولا تعارض بين ما دل عليه حديث مسلم من نقصان أجر الذين غنموا وحديث البخاري ومسلم: "انتدب الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا جهاد في سبيلي، وإيمان بي، وتصديق برسلي، فهو علي ضامن، أن أدخله الجنة، أو أرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه نائلا ما نال من أجر أو غنيمة" (١).

أقول لا تعارض بينهما، لأن هذا الحديث دل على أحد أمرين لمن رجع من الغزو سالما ولم يقتل: الأجر، أو الغنيمة، وحديث مسلم السابق ذكر حالا ثالثة، وهي:

الغنيمة والأجر الناقص.

ولا نحتاج إلى تأويل ذلك لأن أحاديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- لا يضرب بعضها ببعض، بل يصدق بعضها بعضا.

وقد فهم كثير من العلماء فهمنا هذا، فهذا الحافظ ابن رجب يقول: "إن خالط نيّة الجهاد مثلا نيّة، غير الرياء، مثل أخذ الأجرة للخدمة، أو أخذ شيء من الغنيمة أو التجارة، نقص بذلك أجر جهادهم ولم يبطل بالكلية" (٢).

وعلى ذلك تحمل النصوص الدالة على بطلان أجر من قصد شيئًا من الغنيمة، على أن هؤلاء لم يقصدوا الله بجهادهم، ولم يطلبوا ثوابه وإنما تمحض قصدهم لطلب الدنيا، وذلك كالحديث الذي يقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: "من غزا في سبيل الله ولم ينو إلا عقالا فله ما نوى" (٣).


(١) انظر العدّة (٥/ ٥٠٥)، وفتح البارى (٦/ ٨).
(٢) الدين الخالص٢/ ٢٨٣.
(٣) رواه ابن حبان في صحيحه كذا في الترغيب والترهيب (٢/ ٢٩٩)، وانظر مجمع الفوائد وتخريجه (٢/ ١٨).

<<  <   >  >>