للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شرك" (١)، يقول النووي معلّقا على كلام القاضي: "ومعنى كلامه رحمه الله تعالى: أن من عزم على عبادة، وتركها مخافة أن يراه الناس فهو مراء، لأنَّه ترك العمل لأجل الناس، أما لو تركها ليصليها في الخلوة فهذا مستحب، إلاّ أن تكون فريضة أو زكاة واجبة ... فالجهر بالعبادة في ذلك أفضل" (٢).

وترك العمل خوفا من الرياء حبالة من حبالات إبليس كما يقول ابن حزم رحمه الله تعالى: "لإبليس في ذم الرياء حبالة، وذلك أنَّه ربَّ ممتنع من فعل خير أن يظن به الرياء"، ولذلك ينصح من طرقه مثل هذا ألا يتلفت إليه، وأن يمضي فيه إغاظة للشيطان: "فإذا طرقك منه مثل هذا فامض على فعلك، فهو شديد الألم عليه" (٣).

ولو فعل إنسان هذا لأوشك إذا علم الشيطان بذلك أنْ يعترض له عند كل عمل بالخطرات بالرياء فيدع كل طاعة (٤).

الفريق الثالث: الذين علموا أن الله ألزمهم بطاعته وعبادته، وأوجب عليهم أن يقاوموا أهواءهم، وأن يخلصوا دينهم لربهم، وهؤلاء نحتاج أن نبين لهم كيف يعالجون هذا المرض في نفوسهم، كي يكون سلاحا في أيديهم يقيهم من مداخل الشيطان.


(١) الرسالة القشيرية ص ٩، شرح الأربعين ص ١١.
(٢) شرح الأربعين النووية ص ١١.
(٣) الأخلاق والسير ص ١٦.
(٤) قريب من هذه المسألة ما يقع لبعض الناس الذين ليس لهم عادة فى العبادة والتهجد وقراءة القرآن في الليل أو في أطراف النهار، فإذا صحب قوما هذا شأنهم انبعث إلى العبادة، ونشط، وقد يظن بعض الناس أن هذا رياء، وهذا ليس على إطلاقه كما يقول ابن قدامة، بل فيه تفصيل، ذلك أن المؤمن يرغب في عبادة ربه، ولكن تحول دون ذلك عوائق، وتستهويه الغفلة، فربما كانت مشاهدة الغير سبباً لزوال الغفلة، واندفاع العوائق، فإن الإنسان إذا كان في منزله تمكن من النوم على فراش وطيء، وتمتع بزوجته، فإذا بات في مكان غريب اندفعت عنه الشواغل، وحصلت له أسباب تبعث على الخير، منها مشاهدة العابدين ففي مثل هذه الأحوال ينتدب الشيطان للصد عن الطاعة، ويقول: إذا عملت غير عادتك كنت مرائيا، فلا ينبغي أن يلتفت إليه؛ وإنما ينبغي أن يتلفت إلى قصده الباطن ولا يلتفت إلى وساوس الشيطان.
وبين لنا ابن قدامة سبيلا يختبر هذا وأمثاله فيه نفسه، وذلك بأن يمثل القوم في مكان يراهم ولا يرونه، فإدا رأى نفسه تسخو بالتعبد فهو لله، وإن لم تسخ وكان سخاؤها عندهم رياء، وقس على هذا (مختصر منهاج القاصدين ص ٢٣٤).

<<  <   >  >>