للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن علامات المرائي أن ترضيه الكلمة التي فيها تعظيمه، وإن كانت باطلا، وتغضبه الكلمة التي فيها ذمه وإن كانت حقا، وكذلك طالب المال، بخلاف المخلص فالذي يرضيه كلمة الحق له أو عليه، والذي يغضبه كلمة الباطل له أو عليه.

والمخلص لا يبالي لو خرج له كل قدر في قلوب الناس من أجل صلاح قلبه مع الله عز وجل، ولا يحب أن يطلع الناس على مثاقيل الذر من عمله.

والمخلص إذا عرض له أمران: أحدهما لله، والآخر للدنيا، آثر نصيبه من الله، لأنَّه يعلم أنَّ الدنيا تنفد، والآخرة تبقى، بخلاف المرائي. وقد ذكر وصف المرائين في بعض الكتب السابقة، يقول نوف البكالي (١) وكان ممَّن يقرأ الكتب: إنَّي لأجد صفة ناس من هذه الأمة في كتاب الله المنزل، قوم يختلون الدنيا بالدين، ألسنتهم أحلى من العسل، وقلوبهم أمرُّ من الصبر، يلبسون للناس جلود الضأن من اللين، وقلوبهم قلوب الذئاب، فعليَّ يجترئون وبي يغترون، حلفت بنفسي لأبعثن عليهم فتنة تترك الحليم فيها حيرانا (٢).

وينسب إلى عيسى بن مريم أنَّه قال: "يا علماء السوء جعلتم الدنيا على رؤوسكم والآخرة تحت أقدامكم، قولكم شفاء، وعملكم داء، مثلكم مثل شجرة الدفلى، تعجب من رآها، وتقتل من أكلها" (٣).


(١) هو نوف بن فضالة البكالي، إمام أهل دمشق في عصره، من رجال الحديث، كان راويا للقصص، توفي في (٩٥ هـ).
راجع: (تهذيب التهذيب ١٠/ ٤٩٠).
(٢) رواه الترمذي من رواية أبي هريرة مرفوعا إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وأوله "يخرج في آخر الزمان رجال يختلون الدنيا بالدين" (مشكاة المصابيح ٢/ ٦٨٤ - ونسبه ابن كثير وابن قتيبة إلى نوف على أنه من الإسرائيليات، تفسير ابن كثير (١/ ٤٣٦)، وعيون الأخبار (٢/ ٢٧٠).
(٣) اقتضاء العلم العمل (ص ١٩٤).

<<  <   >  >>