للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إن العلماء الأعلام من أصحاب الفريق الأول كان مرادهم أن المباحات لا يقصد التقرب بذواتها كما يتقرب بالصلاة وقراءة القرآن والزكاة.

أما القائلون بأنَّ المباح يتقرب به فمرادهم مخالف لمراد الأولين.

وهم يفهمون ذلك بصورة أو أكثر من الصور التالية:

١ - المباح وسيلة للعبادات:

يرى بعضهم أن يقصد المسلم جعل المباح وسيلة للعبادات المشروعة، يقول ابن تيمية: "ينبغي ألّا يفعل من المباحات إلا ما يستعين به على الطاعة، ويقصد الاستعانة بها على الطاعة" (١).

ويقول ابن الشاط: "إذا قصد بالمباحات التقوي على الطاعات، أو التوصل إليها كانت عبادة؛ كالأكل والنوم واكتساب المال ... " (٢).

فالمسلم إذا قصد بنومه وأكله وشربه أن يتقوى بها على طاعة الله، كي يتمكن من قيام الليل والجهاد في سبيل الله، فهذا مثاب على هذه الأعمال بهذه النية (٣).

وقد صحَّ عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أنه قال لسعد بن أبي وقاص: "إنَّك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلاّ أجرت عليها، حتى ما تجعل في في امرأتك" (٤).

قال النووي رحمه الله معلقًا على الحديث: "وضع اللقمة في في الزوجة يقع غالبًا في حال المداعبة، ولشهوة النفس في ذلك مدخل ظاهر، ومع ذلك إذا وجه القصد في تلك الحالة إلى ابتغاء الثواب حصل له بفضل الله" (٥).

وقال صاحب دليل الفالحين: "وفيه أن الإنفاق على العيال يثاب عليه إذا قصد وجه الله -تعالى- به، وفيه أنَّ المباح إذا قصد به وجه الله صار طاعة، ويثاب عليه،


(١) مجموع الفتاوى ١٠/ ٤٦٠ - ٤٦١.
(٢) غمز عيون البصائر ١/ ٣٤.
(٣) يرى العز بن عبد السلام أن المسلم يثاب في هذه الحالة على القصد دون الفعل (قواعد الأحكام ١/ ١٧٨).
(٤) صحيح البخاري (انظر فتح الباري ١/ ١٣٦، ٣/ ١٦٤، ٥/ ٣٦٣).
(٥) فتح الباري (١/ ٣٧).

<<  <   >  >>