الأول: العبادات عند الفقهاء تعبدية محضة، بينما المعاملات معقولة المعنى.
الثاني: العبادات أنشأها الشارع وأمر بها وليس للعباد فيها إلا التلقي والتنفيذ، أما المعاملات فقد تكون موجودة قبل الشرع فيقرّ الصالح منها، ويلغي السَّيىء، ويهذب ما احتاج إلى تهذيب.
الثالث: يشترط في التكليف بالعبادات العلم بأنّه مأمور بها من الله تعالى، إذ لابد للمكلف من نية التقرب بالعبادة إلى الله تعالى، وهذه النية لا تكون إلا بعد معرفة أنَّ العبادة المتقرب بها إليه أمر منه جلَّ وعلا، وأمّا المعاملات فلا يشترط في صحة فعلها نية التقرب، ولكن لا أجر له فيها إلا بنية التقرب إلى الله تعالى، كرد الأمانة، والمغصوب، وقضاء الديون، والإنفاق على الزوجة، فمتى فعل شيئًا من هذه خوفا من عقوبة السلطان ففعله صحيح دون النية، وتسقط المطالبة به، فلا يلزمه الحقّ في الآخرة بدعوى أنَّ قضاءه في الدنيا غير صحيح لعدم نية التقرب، بل القضاء صحيح، والمطالبة ساقطة على كلِّ حال، ولكن لا أجر له إلاّ بنيّة التقرب.
فهذا التقسيم تقسيم اصطلاحي للتيسير والتبويب، كان مراد الفقهاء من سلفنا الصالح منه مرادا طيّبا، وهم مثابون على ذلك إن شاء الله تعالى.
"إلا أنَّ هذا التقسيم الاصطلاحي الفنّي الذي هو طابع التأليف العلمي؛ أنشأ فيما بعد -كما ذكر بعض المعاصرين- آثارا سيئة في التصور، تبعته -بعد فترة- آثار سيئة في الحياة الِإسلامية كلِّها، إذ جعل يترسب في تصورات الناس: أن صفة "العبادة" إنَّما هي خاصة بالنوع الأول من النشاط الذي يتناوله "فقه العبادات"، بينما أخذت الصفة تبهت بالقياس إلى النوع الثاني من النشاط الذي يتناوله فقه المعاملات.
إن ذلك التقسيم -مع مرور الزمن- جعل بعض الناس يفهمون أنهم يملكون أن يكونوا "مسلمين" إذا هم أدَّوا نشاط "العبادات" وفق أحكام الإسلام، بينما هم