للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الوجه الأول: إجمالي بيّن عموم القاعدة، وعدم جواز تخلفها بحال.

والثاني: إجابة تفصيلية عن آحاد المسائل التي وردت في الاعتراض.

والوجه الأول بين فيه أنَّ المقاصد ضربان:

ضرب هو من ضرورة كلِّ فاعل مختار من حيث هو مختار، وهنا يصحّ أن يقال: إنَّ كلَّ عمل معتبر بنيّته شرعا، قصد به امتثال أمر الشارع أو لا، وتتعلق إذ ذاك الأحكام التكليفية به، وعليه يدلّ ما تقدم من الأدلة، فإن كلّ فاعل عاقل مختار إنما يقصد بعمله غرضا من الأغراض حسنا كان أو قبيحا، مطلوب الفعل أو مطلوب الترك، أو غير مطلوب شرعا، فلو فرضنا العمل مع عدم الاختيار كالملجأ والنائم والمجنون وما أشبه ذلك فهؤلاء غير مكلفين، فلا يتعلق بأفعالهم مقتضى الأدلة السابقة، فليس هذا النمط بمقصود للشارع، فبقي ما كان مفعولا بالاختيار لا بد فيه من القصد، وإذ ذاك تعلقت به الأحكام، ولا يتخلف عن هذه الكلية عمل البتة.

وعلى هذا فكلّ ما أورده الشاطبي في الاعتراضات لا يعدو هذين القسمين: فإنه إما مقصود لما قصد له من رفع مقتضى الإكراه أو الهزل أو طلب الدليل، أو غير ذلك، فينزل على ذلك الحكم الشرعي بالاعتبار وعدمه. وإمّا غير مقصود فلا يتعلق به حكم على حال، وإن تعلق به حكم فمن باب خطاب الوضع لا التكليف، فالممسك عن المفطرات لنوم أو غفلة وإن صححنا صومه فمن جهة خطاب الوضع (١)، كان الشارع جعل نفس الإمساك سببا في إسقاط القضاء أو في صحة الصوم شرعا، لا بمعنى أنه مخاطب به وجوبا.

ثم تحدث الشاطبي عن الضرب الثاني: والضرب الثاني المقاصد التي هي من


(١) يعرف الأصوليون خطاب الوضع بأنه "خطاب الله تعالى بجعل الشيء سببا، أو شرطا، أو مانعا، أو صحيحا أو فاسدا، مثل جعل الدلوك سببا لإيجاب الصلاة، وجعل الوضوء شرطا لصحتها، وجعل الحيض مانعا من صحة الصوم، وجعل الصلاة صحيحة إذا توفرت شروطها وأتي بجميع أركانها".

<<  <   >  >>