والمكلفين، وبينت مفهوم العبادة وحدودها وأصلها ومعناها، واصطلاح الفقهاء فيها.
وقد خلصت إلى أنَّ موضوع الرسالة جزء من إرادات المكلفين، هو تلك الإِرادة الجازمة التي تتجه نحو أعمال شرعية معينة، هي العبادات دون غيرها لتحقيقها وإيجادها. وفي المبحث الثاني أوردت الأدلة النقلية والعقلية التي لا تبقي مجالاً للشك والارتياب في أنَّ القصود معتبرة في العبادات والتصرفات، وقد أوردت في هذا المبحث الاعتراضات على تلك الأدلة ودحضتها بالحجَّة والبرهان.
أمّا المبحث الثالث من المقدمة فقد حوى فضائل المقاصد وعظيم أجرها. والناظر فيه ببصيرة سيعلم خطر هذا الموضوع وسيمضي -إن شاء الله تعالى- في العناية بمقاصده بجدّ وعزيمة وقادة يرنو من وراء ذلك إلى تحصيل ذلك الفضل العظيم الذي يحققه المصلحون لمقاصدهم.
وقد عنونت للباب الأوّل بعنوان "النيّات"، ذلك أنَّ النيَّة هي المصطلح الذي ارتضاه الفقهاء، واستعملوه في مباحثهم، وقد مهدت للباب بإيضاح السبب الذي انقسم البحث -من أجله- إلى بابين: ذلك أنَّ المقاصد تتوجه إلى أمرين دائمًا، الأول: الفعل الذي تريد تحقيقه وإحرازه، وهذا خصصنا لمباحثه الباب الأول.
والثاني: الغاية البعيدة التي يريدها القاصد من وراء عمله، فالإنسان لا ينطلق إلى العمل ما لم يلمح فيه ما يدعوه إلى فعله، وقد يطلق العلماء على هذا اسم الدافع أو الغاية، والمتأمل في نصوص الكتاب والسنَّة يعلم أنَّ خير ما يعنون له به اسم "الإِخلاص"، ومن أجل ذلك ارتضيناه على سواه.
والباب الأوّل انتظم بعد التمهيد في ستة فصول:
في الفصل الأول حققت القول في أنَّ مكان النيَّة القلب، وفاقا لأهل السنة، لا الدماغ كما تقوله العزلة ومن تابعهم من الفقهاء، وعرضت لمفهوم القلب، ورجحت أن المراد به تلك اللطيفة الربانية المتعلقة بالقلب الجِسْماني، وليس هو القلب الجسماني نفسه كما فهمه بعض العلماء.