أما الجزئيات التي أوردها الشاطبي في الاعتراض الثاني فالجواب عنها من وجوه:
الأول: ليس معنى أن يخالف بعض العلماء في هذه الأمور أن تنخرم القاعدة بقولهم هذا، فقد حققنا في مبحث "الأفعال التي تفتقر إلى النية" ضعف حجة الذين قالوا بعدم وجوب النية في الوضوء والغسل، وشذوذ الذين قالوا بعدم وجوبها في الزكاة والصوم.
الثاني: أنّ بعض الذين قالوا بعدم وجوب النية في بعض الأفعال عدّوا هذه الأفعال من العاديات التي لا تلزمها النيّات، كأداء الديون ورد الغصوب، والودائع، فالعبد يبرأ بمجرد الردّ.
والأحناف جعلوا الطهارة من الحدث الأصغر والأكبر مفتاحا للصلاة بمثابة اللباس واستقبال القبلة وبقية الشروط، وهي بذلك ليست عبادة، وقد نصوا على أنّها لا تكون عبادة إلاّ بالنيّة.
الثالث: أنّ من قال: إن الهازل يلزمه مقتضى قوله، ليس من باب عدم الاعتداد بالقصد والنيّة، ولكن عقوبة له بسبب هزله في هذه الأمور الخطيرة التي لا تصلح مجالا للهزل، وكثير من الفقهاء يرى أنَّ هذا من باب خطاب الوضع، فالتفريق بين الزوجين (سببه) لفظ الطلاق، فليس في الأمر (على هذا القول) عقوبة أصلا.