للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فمهما ضعفت الأجساد، ومهما اشتدَّ ظلم الظالمين فقلب الِإنسان يبقى حرا طليقا، يتوجه إلى الله في السراء والضراء راغبا راهبا، يريده بالخير، ويقصده بالطاعة.

ولكن ما قيمة النيّة التي لا نستطيع تحقيقها في واقع الأمر؟ هل يثيبنا أصحاب الأعمال الدنيوية إذا نحن قصدنا أن نحقق أعمالهم، ولكننا لم نستطع أن نفعل ذلك في الواقع بسبب حوائل قاهرة؟

نخطىء خطأ فادحا إذا سوينا بين المقاصد التي نتجه بها إلى ربِّ البرية، والمقاصد التي نقصد بها العباد، فالنيّة التي نريد بها أعمال النّاس ولا نستطيع تحقيقها لا يعترف الغالبية العظمى من النّاس بها، ولا يجزون عليها، ولا يعترفون إلاّ بما تحقق منها في واقع الأمر، وإن كان بعض الذين نبل معدنهم، وسمت نفوسهم يقدِّرون ذلك، ويعظمونه، كما قال الشاعر:

لأشْكُرنَّكَ مَعْرُوفًا هَمَمْتَ بِه ... إنَّ اهْتِمَامَكَ بِالْمَعَروفِ مَعْروف أما النيّة التي نريد بها العمل الصالح الذي فرضه الله علينا ابتغاء رضوان الله فلها قيمة كبيرة عند الله، بل هي محلّ نظر الله -سبحانه- كما قال تعالى مبيّنا أهمية العمل الباطن: {لَنْ يَنَالَ اللهَ لَحُوُمها وَلاَ دِمَاؤُها، وَلَكنْ يَنَالُهُ التقْوَى منْكُمْ} (١).

فالله ينظر إلى حقيقة العمل الذي في القلب لا إلى صورته.

ولذا فإنَّ العبد الذي ينوي نيَّة صادقة ولا يستطيع تنفيذها في الواقع ينال ثواب الناوي الفاعل لما نوى، ففي الحديث: "من سأل الله الشهادة بصدق بلَّغه الله منازل الشهداء، وإن مات على فراشه" (٢).


(١) سورة الحج / ٣٧.
(٢) رواه مسلم في صحيحه (١٣/ ٥٥، ٥٦ مسلم بشرح النووي)، ورواه أبو داود في كتاب الصلاة باب الوتر (٢/ ١١٤)، والنسائي في كتاب الجهاد، باب تمني القتل في سبيل الله (٦/ ٣٧)، وابن ماجه في كتاب الجهاد، باب القتال في سبيل الله (٢/ ٩٣٥).

<<  <   >  >>