للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مشترك، هو فيلسوف العربية أبو الفتح بن جني المشار إليه؛ وكان شيخه أبو علي الفارسي يأنس بهذا الرأي قليلًا.

أما علماء العربية فقد قالوا إن ذلك ليس متعمدًا في اللغة؛ لأن الحروف قديمة وأنواع المعاني المتفاهمة لا تكاد تتناهى.... ولا ينكر مع ذلك أن يكون بين التراكيب المتحدة المادة معنى مشترك بينها هو جنس لأنواع موضوعاتها، ولكن التحيل على ذلك في جميع مواد التركيب، كالطلب لعنقاء مغرب، وجواب ذلك عندنا ما تقدم الإيماء إليه، من مداخلة اللغات وتفريط النقلة ونحو ذلك، مما لا ينتظم به أمر التاريخ اللفظي في هذه اللغة.

ولابن جني في تحقيق رأيه كلام سابغ الذيل سنشير إليه في الفصول التالية.

أما الكلام على الاشتقاق من حيث هو علم ذو أقسام وحدود فهو مبسوط في مواضعه من كتب الصرف والكتب الأخرى المجردة في هذا العلم، ولا حاجة بنا إليه؛ لأنه إنما نريد جهة التاريخ منه وكونه سببًا من أسباب نمو اللغة وطريقة من طرق نشأتها.

وقد قلنا في تحقيق المناسبة بين الألفاظ والمعاني وأن أكثر أهل اللغة والعربية مطبقون على ثبوتها؛ لأنها في الحقيقة ليست إلا توسعًا في المناسبة الأولى التي هيأت للواضع أن يضع بالتقليد والمحاكاة. ونحن ذاكرون طرفًا مما يثبت تلك المناسبة:

قال البيضاوي في تفسير قوله تعالى: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} : أنفق الشيء وأنفذه أخوان، ولو استقريت الألفاظ وجدت كل ما فاؤه نون وعينه فاء دالا على معنى الذهاب والخروج.

وقال في تفسير قوله عز وجل: {أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة: ٥] ، [المائدة: ٧] : والمفلح "بالحاء والجيم": الفائز بالمطلوب، كأنه الذي انفتحت له وجوه الظفر، وهذا التركيب وما يشاركه في الفاء والعين نحو: فلَق وفلَذ وفلَى يدل على الشق والفتح. وللزمخشري عناية بذلك في مواضع من تفسيره أيضًا.

ومن هذه الأمثلة أن تراكيب الهمزة مع الباء تدل على النفور والبعد والانفصال: كأب: للسير، وأبت اليوم: اشتد حره فقطع الناس وفصلهم عن أعمالهم، وأبد الوحش: نفر، وأبر النخل: قطع شيئًا منه، وأبز الظبي: وثب وانطلق، وأبق العبد: فر، وأبل: توحش وانفصل عن الناس، وأبه عن الشيء: بعد عنه وتنزه، وأبي الضيم: نفر منه، وهكذا.

والألف مع الزاي تدل تراكيبها على الضيق في الأمر، يقال: أزر المجلس: إذا ضاق، وأزق الرجل: ضاق صدره، وأزل: صار في ضيق، وأزم: ضاق عيشه، وأزى الظل: قلص وضاق.

وتراكيب الباء مع الدال تدل على الابتداء والظهور، نحو بدأ الشيء وبدا أي: ظهر، وبدح فلانًا بالأمر: أظهره له من دون روية، وبدح: أظهر التعظيم، وبدر إليه بكذا: أظهره له، وبدع أي: ابتدأ، وبدخ بالشر: أظهره، وبده بالأمر بديهة أي: ابتدأ به.

والباء مع الذال تدل تراكيبها على إخراج الشيء، نحو: بَذِيَ: أخرج الفحش في كلامه، وبذح

<<  <  ج: ص:  >  >>