وقد استخرج اللغويون من الاشتراك في اللغة ومداخلة الكلام للمعاني المختلفة نوعًا سموه المشجر، وبعضهم يسميه المسلسل، متابعة لرواة الحديث فيما يناظر هذا النوع عندهم؛ وذلك أن يجيئوا بالكلمة المشتركة فيعتبرونها شجرة يفرعون من معانيها المختلفة فروعًا ويسترسلون في تفسير الكلام على الوجه المشترك حتى تبلغ الشجرة مائة كلمة أو أكثر، وكلها متسلسلة من كلمة واحدة.
تاريخ هذا النوع:
وأول من وضع كتابًا ففي ذلك أبو عمرو المطرز الراوية المتوفى سنة ٣٤٥هـ فقد عمل عليه كتابه الذي سماه "المداخل في اللغة" وكان يعاصره أبو الطيب اللغوي المتوفى بعد سنة ٣٥٠هـ بقليل، فعمل كتابًا سماه "شجر الدر" وجعل كل شجرة مائة كلمة، إلا شجرة ختم بها الكتاب عدد كلماتها ٥٠٠ وقال في كتابه: إنما سمينا الباب شجرة لاشتجار بعض كلماته ببعض، أي: تداخله. فأخذ وضع المطرز وزاد فيه وابتدع له تسمية جديدة، ثم جاء أبو الطاهر محمد بن يوسف بن عبد الله التميمي المتوفى بمدينة قرطبة سنة ٥٣٨هـ فوضع كتابه الذي سماه "المسلسل" وقال في مقدمته: "كان سمع علي كتاب المداخل في اللغة لأبي عمرو المطرز رحمه الله، فاستنزرته لقدره، ولم أحظ بهلاله فيه ولا بدره، فرأيت أنه رأى لم تستوف تمامه، وغرض لم تُقَرْطِسه سهامه، ولعله إنما ارتجله ارتجالًا، وجرت ركائبه فيه عجالًا، فلم يدمث خزنه، ولا أقام وزنه، ولا استوفى غرره، ولا استقصى درره، فحركني ذلك إلى صلة ما ابتدأ، وتمكين ما رسم فيه وأنشأ".
وقد ضمن كتابه خمسين باباً افتتح كل باب منها بشعر عربي وختمه بمثل ذلك.
أمثلة:
من أمثلة كتاب أبي الطيب:
"شجرة": العين عين الوجه، والوجه القصد، والقصد الكسر، والكسر جانب الخباء، والخباء مصدر خابأت الرجل إذا خبأت له خبءًا وخبأ لك مثله، والخبء السحاب.
ثم انسحب على هذا الأثر بعد "العين". وقد نقل السيوطي هذه الشجرة في مزهره في النوع الحادي والثلاثين.
ومن أمثلة المسلسل هذا الفصل فيه وقد حذفنا شواهده اختصارًا، قال:
أنشد أبو عبيدة لصبيان الأعراب، وتروى لامرئ القيس:
لمن زحلوقة زل ... بها العينان تنهل
ينادي الآخر الأل ... ألا حلوا ألا حلوا
الأل الأول، وأول يوم الأحد، والأحد هو الوحد، والوحد الفرد، والفرد الثور، والثور الظهور، والظهور الغلبة، والغلبة جمع غالب، وغالب أبو لؤي، ولؤي تصغير اللأي، واللأي الثور،