للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كتابه قسمًا كبيرًا منها.

وعلى أن ثمة شيئًا هو أكثر ألفاظ العربية ترادفًا، وهو "الميل الجنسي" فلا تكاد تتصفح مادة في "القاموس المحيط" حتى تصيب من مترادفاته لفظًا أو أكثر؛ وذلك مما يثبت ما بيناه من سبب الترادف الكثير الذي هو مثار العجب.

أما النوع الثاني من المترادف وهو القسم الأصغر منه الذي تقل فيه ألفاظ المعنى الواحد، فإنه يكاد يكون طبيعيا في اللغات كلها؛ ومأتاه في العربية من اختلاف الأوضاع لتعدد القبائل: كالمدية في لغة دوس والسكين في غيرهم، ولا يتعين في مثل هذا النوع أن يكون في كل كلمة زيادة في المعنى والفائدة عما في غيرها؛ لأن كلا اللفظين موضوع لمعنى واحد لا زيادة في دلالته، إلا إذا اعتبرنا أصل الاشتقاق والسبب الحامل للواضع على أن يضع وإلا إذا كان كل اللفظين يمثل حالة مما يصح فيه الاختلاف كجَلَس وقَعَد مثلًا، وتجد لأهل الاشتقاق في هذا المذهب تعسفات كثيرة وتأويلات باطلة كقول بعضهم إن الإنسان سمي إنسانًا باعتبار النسيان، أو باعتبار أنه يؤنس؛ وسمي بشرًا باعتبار أنه بادي البَشَرَة ... فكأن لفظ النسيان الذي يدل على معنى جزئي معقول وضع قبل لفظ الإنسان الذي هو مدلول اللغة كلها. وذلك هو التاريخ الميت الذي حسابه عند ربه.

وقد أفرد بعض العلماء أنواع المترادف بالتأليف، فوضعوا كتبًا في أسماء الأسد والحية والسيف والداهية وغيرها، ولصاحب القاموس كتاب سماه "الروض المسلوف، فيما له، اسمان إلى الألوف" ولم يعثر عليه أحد لا رأينا منه مادة منقولة في كتاب من الكتب.

المشترك:

وهو عكس المترادف؛ لأنه مجيء اللفظ الواحد لمعنيين فأكثر: كالأرض لهذا البسيط، ولأسفل قوائم الدابة، وللنُّفْضة والرِّعدة، وللزكام؛ وأرض الخشبة، وهو أن تأكلها الأرضة. وهذا لا شك في أن مأتاه من تعدد الوضع وتباين اللغات؛ لأن الألفاظ متناهية والمعاني لا تتناهى، فإذا وزعت هذه على تلك لزم الاشتراك واختصاص اللفظ الواحد بمعنيين أو أكثر. والقسم الأكبر من المشترك كلمات معدودة، أشهرها ما تعلق عليه شعراء المتأخرين كما ستعرفه في بحث الصناعات اللفظية، وجملة ذلك خمسة ألفاظ وهي: العين، والخال، والهلال، والغرب، والعجوز.

فمن معاني العين مثلًا: عين الإنسان، والنقد من الدراهم والدنانير، ومخرج ما البئر، ومطر أيام لا يقلع، والجاسوس، ونفس الشيء.... إلخ. وقد توسع المتأخرون من الشعراء في معاني هذه الكلمات لتبلغ بها أنفاس القوافي كما سنذكر في موضعه إن شاء الله. لا جرم أن الاشتراك وجه من وجوه الوضع في اللغة؛ فإن أكثره راجع إلى الاشتقاق والمجاز كما يقال مشي من المشي، ومشي إذا كثرت ماشيته؛ وكما نقلوا من أسماء الطير لأجزاء الفرس، فسموا العظم الذي في أعلى رأسه بالهامة وهو اسم طائر، وسموا دماغه الفرخ، والجلدة التي تغطي الدماغ بالنعامة، والعظم الذي تثبت عليه الناصية بالعصفور ... إلخ وهي عشرون اسمًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>