للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وغيرها؛ وهذا المذهب من تقسيم بعض علماء الأصول.

٤- والمذهب الرابع إثبات الترادف مطلقًا بدون قيد ولا اعتبار ولا تقسيم، وعليه أكثر اللغويين والنحاة، وقد قال ابن درستويه في هؤلاء:"إنما سمعوا العرب تتكلم بذلك على طباعها وما في نفوسها من معانيها المختلفة، وعلى ما جرت به عادتها وتعارفها. ولم يعرفوا العلة فيه والفروق فظنوا أنهما "أي: اللفظين المترادفين" بمعنى واحد وتأولوا على العرب هذا التأويل من ذات أنفسهم؛ فإن كانوا قد صدقوا في ذلك عن العرب فقد أخطئوا عليهم في تأويلهم ما لا يجوز في الحكمة".

والصحيح من ذلك كله أن أوضاع العرب تختلف؛ لأنهم متصرفون في اللغة لا يعرفون لها قيودًا اصطلاحية، وما من عربي إلا وهو في حكم العرب كلهم باعتبار الفطرية اللغوية التي يرجع إليها أصل الوضع؛ لأن اللغة مفردات وضعها أفراد، وقد كانت لهم أشياء كأنها مظاهر الطبيعة المتسلطة عليهم بمعانيها المتناقضة وصفاتها المتباينة لبلوغها الغاية في مألوفهم من اللذة والألم والمنفعة والمضرة، وهذه يراها كل عربي ويحدث عنها ويصفها على ما يجد في نفسه من أثرها، وعلى ما يراه من صفاتها المختلفة، فلا جرم اختلفت الألفاظ الموضوعة لها بحسب ذلك.

ومن هذه الألفاظ ما يكون أسماء من وضع القبائل المتعددة تسمع كل قبيلة لغة الأخرى فيأخذ بعضها عن بعض استطرافًا وتوسعًا في الكلام، ومنها ما يكون صفات يتصرف في ضوعها أفراد كل قبيلة فلا تختص بالوضع الواحد لما عَلِمتَ من اختلاف السبب الحامل على اشتقاقها، ثم تنزل هذه الصفات منزلة الحقائق العرفية بعد أن تكون قد فشت في الاستعمال وتلتحق ألفاظها بأصل اللغة، وهذا هو القسم الأكبر من المترادفات، كثرت عندهم أسماؤه وصفاته لما أشرنا إليه آنفًا، وأشهر ما ورد منه، أسماء العسل وهي ٨٠، والأسد ٣٥٠ وقيل ٥٠٠ وقيل ٦٧٠، والحية ٢٠٠ وقيل ٥٠٠، والداهية ٤٠٠ وقيل أربعة آلاف١، والحجر ٧٠، والكلب ٧٠، والسيف ٣٠ وقيل: ١٠٠٠، والناقة ٢٥٥، والبعير ألف٢، والشمس ٥٢، والخمر ١٠٠ وقيل ٢٠٠، والبئر ٨٨، والماء ١٧٠، وغير ذلك وخاصة ما يدخل في باب الصفة، كصفات الطويل والقصير والشجاع والجبان والكريم والبخيل ونحوها من الصفات الشائعة التي أجمعوا على مدحها أو ذمها؛ وقد استوفى صاحب "المخصص" في


١ تختلف هذه الأسماء كثرة وقلة باعتبار سعة الرواية وضيقها؛ فمن الرواة من يجوز كل ما اتصل به، ومنهم من يضيق فللا يروي إلا ما صح عن العرب، وقد يكون الاختلاف من الاقتصار على الأسماء دون الصفات عند قوم، وعد الأسماء مع الصفات عند آخرين.
٢ مما يثبت ما ذهبنا إليه في تعليل الترادف, أنه ليس في كلام العرب اسم جمع ست مرات إلا الجمل؛ فإنهم جمعوه: أجملًا؛ ثم أجمالًا، ثم جاملًا، ثم جمالًا، ثم جمالة، ثم جمالات: جمع الجمع، وأكثر ما يكون الجمع عندهم هو مرتين أو ثلاثًا لا يجاوزون ذلك، وإنما كان هذا لمكان الجمل من العرب جميعًا، إذ هو حبل الحياة الذي تعتصم به أرواحهم من طوفات الطبيعة العربية؛ ولما كانت الناقة أكرم عليهم منه جمعوها سبع مرات فقالوا: ناقات، ونوقًا، وناقًا، وأيانق، ونياقًا، وأينقًا، وأنواقًا. ا. هـ.
قلت: عد صاحب القاموس من جموع "الجمل" ثماني، وزاد على ما ذكر المؤلف: جمل "بضم فسكون"، وجمائل وأجامل، وعد من جموع "الناقة" أحد عشر. وزاد: أنؤق، وأونق، وأنواق، ونياقات.

<<  <  ج: ص:  >  >>