للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على فن الرواية؛ لأنه أول من قرر شروطها "٥٠-١٢٤هـ" فدون الحديث تدوينًا مراعيًا فيه شروط الرواية الصحيحة.

وقيل: إن أول من جمع في الحديث لذلك العهد، الربيع بن صبيح، وسعيد بن أبي عروبة وغيرهما، وكانوا يصنفون كل باب على حدة، إلى أن انتهى الأمر لكبار الطبقة الثالثة، وصنف الإمام مالك بن أنس "٩٤-١٧٩هـ" كتاب "الموطأ" بالمدينة، وعبد الملك بن جريح بمكة "توفي سنة ١٥٠هـ" وعبد الرحمن الأوزاعي بالشام "ولد سنة ٧٢هـ وتوفي ببيروت سنة ١٥٧هـ" وسفيان الثوري بالكوفة "٩٧-١٦١هـ" وحماد بن سلمة بن دينار بالبصرة "توفي سنة ١٦٧"١.

ونسبوا لمالك تدوين الحديث؛ لأنه أودع كتابه أصول الأحكام من الصحيح المتفق عليه، ورتبه على أبواب الفقه؛ وجاء به مع ذلك على شروط الرواية٢؛ وكان أول من فعل ذلك، وقيل إن عبد الملك بن جريج سبقه إليه٣.

ثم شاع التدوين بعد هؤلاء فيمن تلاهم من الأئمة، كل على حسب ما سنح له، فمنهم من رتب على المسانيد، ومنهم من رتب على العلل، بأن يجمع في كل متن من متون الحديث طرقه واختلاف الرواة فيه، بحيث تتضح علل الحديث المصطلح عليها بينهم -وسيأتي شيء منها- ومنهم من رتب على أبواب الفقه ونوعه أنواعًا, وجمع ما ورد في كل نوع وفي كل حكم إثباتًا ونفيًا بابًا فبابًا، إلى غير ذلك مما يخرجنا بسط الكلام فيه عن الكلام فيما نريد أن نبسطه؛ فنجتزئ بالإيماء إليه.

الإسناد في الحديث:

بعد أن دُوّنت أوائل الكتب ورأوا ما دخل على الحديث من الشبه والتأويلات، وما هجّن به من التزيد، والاختلاق، صار لا بد من حياطة الصحيح منه بأسماء الذين صح نقله عنهم وصح نقلهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا هو الإسناد.

وقد كانت أحوال النقلة من الصحابة معروفة، وكان الجميع مشهورين في أعصارهم، فلم يكن من باعث على الإسناد المصطلح عليه في الرواية.

وكان منهم أفراد بالحجاز، ومنهم بالبصرة والكوفة من العراق، ومنهم بالشام ومصر، فلما أدركهم التابعون أدركوا منهم عددًا، وربما كان عند الواحد ما ليس عند الآخر، وربما جاء الحديث الواحد عن طائفة منهم، فاضطر الآخذون أن يضبطوا أسانيد ما حملوه؛ ولقد أدرك الشعبي وحده ٥٠٠ من الصحابة، وهو عامر الشعبي رأس الأدباء والمؤدبين، ولد في سنة ٢١هـ على الأكثر،


١ وذكروا مع هذه الطبقة تصنيف هشيم بواسط، ومعمر باليمن، وجرير بن حميد بالري، وابن المبارك بخراسان؛ وكلهم في عصر واحد، فلا يدرى أيهم أسبق.
٢ ذكروا أن مالكًا رضي الله عنه روى عن ٣٠٠ شيخ من التابعين و٦٠٠ شيخ من تابعيهم ممن اختاره وارتضى دينه وفهمه وقيامه بحق الرواية وشروطها، وأنه ترك الرواية.
٣ وكذلك كان مالك أول من صنف في تفسير القرآن بالإسناد على طريقته في الموطأ.

<<  <  ج: ص:  >  >>