للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتوفي سنة ١٠٧هـ على أوسع الأقوال، وكان يعد عالم الكوفة بين التابعين ويقرن به ابن المسيب في المدينة، والحسن البصري بالبصرة، ومكحول بالشام.

ولما أمعن الناس في الرحلة إلى أفراد الصحابة المتفرقين في الأمصار، ومن اشتهر من التابعين من بعدهم، تعددت طرق الرواية، فمن ثم تعين على الرواة أن يبينوا إسناد كل طريقة، وابتدأ ذلك من عهد الإمام مالك بن أنس، وهو سند الطريقة الحجازية بعد السلف رضي الله عنهم، ثم كثر طالبوا الحديث ورواته، فتشعبت الأسانيد، وصار لا بد من تعديل الرواة وبراءهم من الجرح والغفلة، وذلك لا يتهيأ إلا بمعرفة طبقات الرجال على مراتبهم من العدالة والضبط، وكيفية أخذ بعضهم عن بعض؛ ومن ذلك نشأ علم الرواية؛ وأول من قرر شروطه الزهري كما قدمنا، واستمر بعده زمنًا لا يعمل به إلا الثقات كما رأيت فيما ذكروه عن شيوخ مالك.

ولما كانت الأحاديث معروفة، وكان لا مطمع لمتأخر أن يستدرك شيئًا منها على المتقدمين، انصرفت عناية العلماء من المتأخرين إلى تمحيص ما يروى، وتصحيح الأمهات المكتوبة: كالموطأ، وصحيحي البخاري ومسلم، وضبطها بالرواية عن مصنفيها، والنظر في أسانيدها إلى مؤلفيها، وانصرف جماعة منهم إلى الاتساع في الإسناد، فطلبوا الحديث الواحد من طرق مختلفة قد تبلغ إلى عشرين طريقًا بأسانيدها؛ وكان من ذلك أن استبحروا في الحفظ واشتغلوا به، وتبسطوا في فنون الرواية وجهاتها، بما لا تتعلق بقليله أمة من الأمم؛ ولكل ذلك تاريخ طويل أمسكنا عن كثيره وسيأتي قليل منه فإننا لا نقصد مما قدمناه إلا أن نتصل بما يلي:

<<  <  ج: ص:  >  >>