وهذا الخبر يظاهر ما ورد في معناه وانعقد به التصديق من أن ترتيب الآي إنما كان توقيفًا منه صلى الله عليه وسلم. ومن قصص زيد عن نفسه في تلك الرواية تعلم أنه كان يحفظ القرآن على ترتيبه آية فآية وسورة فسورة. ٢ هذا إن صحت رواية المسعودي، ونحن لا نوثقها؛ لأن الرجل مؤلف أخبار يحتمل لها من كل وجهه، أما الرواية التي نرضاها فهي ما رواه ابن قتيبة من أن عليا نادى أصحابه فأصبحوا على رايتهم ومصافهم، فلما رآهم معاوية وقد برزوا للقتال قال لعمرو بن العاص: يا عمرو، ألم تزعم أنك ما وقعت في أمر قط إلا وخرجت منه؟ قال: بلى! قال: أفلا تخرج مما ترى؟ قال: والله لأدعونهم إن شئت إلى أمر أفرق به جمعهم ويزداد جمعك إليك اجتماعًا: إن أعطوك اختلفوا، وإن منعوك اختلفوا! قال معاوية: وما ذلك؟ قال عمرو: تأمر بالمصاحف فترفع ثم تدعوهم إلى ما فيها, فوالله لئن قبله لتفرقن جماعته، ولئن رده ليكفرنه أصحابه! فدعا معاوية "بالمصحف" ثم دعا رجلًا من أصحابه يقال له ابن هند، فنشره بين الصفين، ثم نادى: الله الله دمائنا البقية! بيننا وبينكم كتاب الله. فلما سمع الناس ذلك ثاروا إلى علي فقالوا: قد أعطاك معاوية الحق، ودعاك إلى كتاب الله، فأقبل منه ورفع صاحب معاوية "المصحف" وهو يقول بيننا وبينكم هذا.. إلخ إلخ. وإن لم تكن هذه الرواية هي حقيقة الواقع فليس أشبه بحقيقة الواقع منها.