٢ ألف الأديب الصفدي كتابًا في عدد السبعة لكماله وشهرته سماه "عين النبع على طرد السبع"، ومما قال فيه إن السبعة جمعت العدد كله؛ لأن العدد أزواج وأفراد، والأزواج فيها أول وثان، والاثنان أول الأزواج، والأربعة زوج ثان، والثلاثة أول الأفراد، والخمسة فرد ثان، فإذا اجتمع الزوج الأول مع الفرد الثاني، أو الفرد الأول مع الزوج الثاني كان سبعة، وكذلك إذا أخذ الواحد الذي هو أصل العدد، مع الستة التي هي عند الحكماء عدد تام، يكون منهما السبعة التي هي عدد كامل؛ لأن الكمال درجة فوق التمام. وهذه الخاصة لا توجد في غير السبعة. ولذلك يفصلون بينها وبين الثمانية بالواو، فيقولون: واحد اثنان ثلاثة أربعة خمسة ستة سبعة وثمانية وتسعة وعشرة إلخ. ومن ذلك قوله تعالى في سورة الكهف: {سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ} . ثم ساق أمثلة من استعمال الناس لفظ السبعة في كل ما يريدون به الكمال. قلنا: وهذا الذي اعتل به لإدخال الواو في قوله تعالى: {وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ} ليس بشيء وإنما وجه به كلامه توجيهًا، أم الصواب فإن الواو إنما كانت في هذه الجملة دون غيرها مما تقدمها، لتؤذن بأن الذين قالوا إنهم سبعة كانوا على ثقة مما قالوه ولم يرجموا بالغيب، ولهذا فصلوا بين القوم وبين كلبهم الذي ليس فيهم إلا في العدد؛ وارتفاع هذه الواو من الجملتين الأوليين جعلهما لا تصفان إلا الشك وجعل سياق الكلام يؤكد أن الحساب في الجملتين من الغلط، وأن القول به لم يصدر على القطع والتحقيق، ولذا قال ابن عباس: حين وقعت الواو انقطعت العدة، أي: لم يبق بعدها وجه للعدد وثبت أنهم سبعة وثامنهم كلبهم، فتأمل كيف انتظمت هذه الواو معنى الآية وكيف تكون البلاغة المعجزة التي تجعل في تركيب الكلام أسرارًا كأسرار الخلق الحي، ولا زعمات صاحبنا الصدفي، ونحن نسأل الله تعالى أن يوفقنا لوضع الكتاب الذي نكمل به كتابنا هذا! فنبسط فيه من أسرار الآي وإعجازها ما تطلع به الشمس لمن أبصر فيراها، ولمن عمي فيحسها!