للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واستنبط منه غيرهم إشارات من الغيب بضروب من الحساب، كهذا الذي ينسبونه إلى الحسن بن علي رضي الله عنه من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في رؤياه ملوك بني أمية رجلًا رجلًا، فساءه ذلك، فأنزل الله عليه ما يسري عنه من قوله في القرآن: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ، لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} قالوا: يعني بألف شهر مدة الدولة الأموية! فقد كانت أيامها خالصة ثلاثًا وثمانين سنة وأربعة أشهر مجموعها ألف شهر سواء١ وحتى زعم بعضهم أن الكلمات التي في أوائل السور إنما تحتوي مدد أعوام وأيام لتواريخ أمم سالفة، وإن فيها تاريخ ما مضى وما بقي مضروبًا بعضها في بعض، إلا كثير من مثل هذا مما يخطئه الحصر، وإنما أشرنا إلى بعضه لغرابته؛ ولأن أغرب ما فيه أنه عند أهله من بعض ما يفسر به القرآن٢.


= وقد كشف ابن خلدون في مقدمته من فصل ابتداء الدول والأمم عن شيء من مسمى هذا الجفر، ونقل إنه كان جلد ثور صغير. وأن هارون العجلي روى ما فيه عن جعفر الصادق وكتبه في كتاب سماه الجفر، قال: وكان فيه تفسير القرآن وما في باطنه من غرائب المعاني.
وعندنا أن كل ذلك موضوع وباطل، وأن الكلام فيه أسلوب من أساليب القصص وضرب من التهويل والمبالغة، ولا نظن أن علم ما كان وما يكون شيء يسعه أو يسع الرمز إليه جلد ثور، إلا أن يكون هذا الثور هو الذي قيل فيه إنه كان يحمل الأرض قديمًا على أحد قرنيه!
١ ومن أعجب ما وقفنا عليه، أن الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي أمر في حلب بصنع منبر لبيت المقدس قبل فتحه وانتزاعه من أيدي الإفرنج بنيف وعشرين سنة. قال صاحب "الروضتين" بعد أن ذكر أن هذا قد يكون كرامة له: ثم يحتمل أن يكون "رحمه الله" وقف على ما ذكره أبو الحكم بن برجان الأندلسي في تفسيره, فإنه أخبر عن فتح القدس والسنة التي فتح فيها، وعمر نور الدين إذ ذاك إحدى عشرة سنة، وقد رأيت أنا ذلك في كتابه: ذكر تفسير أول سورة الروم، أن البيت المقدس استولت عليه الروم عام سبع وثمانين وأربعمائة، وأشار أنه يبقى بأيديهم إلى تمام خمسمائة وثلاث وثمانين سنة، قال: ونحن في عام اثنتين وعشرين وخمسمائة، فلم يستبعد نور الدين "رحمه الله" لما وقف عليه أن يمتد عمره إليه، فهيأ أسبابه حتى منبر الخطابة فيه، تقربًا إلى الله تعالى بما يبديه من طاعته ويخفيه، قال: وهذا الذي ذكره أبو الحكم الأندلسي في تفسيره من عجائب ما اتفق لهذه الأمة المرحومة، وقد تكلم عليه شيخنا أبو الحسن علي بن محمد في تفسيره الأول فقال: وقع في تفسير أبي الحكم الأندلسي في أول سورة الروم إخبار عن فتح بيت المقدس، وأنه ينزع من أيدي النصارى سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة. قال لي بعض الفقهاء: إنه استخرج ذلك من فاتحة السورة. قال: فأخذت السورة وكشفت عن ذلك فلم أره أخذ ذلك من الحروف، وإنما أخذه فيما زعم من قوله تعالى: {غُلِبَتِ الرُّومُ، فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ، فِي بِضْعِ سِنِينَ} .
فبنى الأمر على التاريخ كما يفعل المنجمون ثم ذكر أنهم يغلبون في سنة كذا على ما تقتضيه دوائر التقدير. قلنا: وكيفما كان الأمر فإنه لمعجزة.
٢ أما المتصوفة ومن يقلدون علم الباطن فلا حصر لمذاهبهم وأقوالهم في تفسير القرآن. وبخاصة المتأخرين منهم لهم في ذلك المزاعم العريضة مما يخرج عن أن يكون من علم الناس فإلى الله أمره. وقد ذكر الشيخ محيي الدين بن العربي في "الفتوحات" عند تفسير قوله تعالى: {وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} أن قوله: {أحْصَيْنَاه} يدل على أنه تعالى ما أودع فيه إلا علومًا متناهية مع كونها خارجة عن الحصر لنا. قال: وقد سألت بعض العلماء بالله تعالى: هل يصح لأحد حصر "أمهات" هذه العلوم؟ فقال: نعم، هي مائة ألف نوع وتسعة وعشرون ألف نوع وستمائة نوع، كل نوع منها يحتوي على علوم لا يعلمها إلا الله تعالى. ا. هـ بنصه.
قلنا: قد ألف بعض علماء القوم كتابًا سماه "تنبيه الأغنياء، على قطرة من بحر علوم الأولياء" كانت هذه=

<<  <  ج: ص:  >  >>