وكان بالقرب منهم جماعة من الأكرة، فلما سمعوا ذلك استعظموه، وقالوا: يا زنادقة، أنتم تقرءون القرآن بحرف الدجاج..؟ وغدوا عليهم فصفعوهم؛ فما تخلص أبو خليفة والقوم الذين كانوا معه من أيديهم إلا بعد كد طويل. وتروى هذه النادرة على وجه آخر، ولكن رواية المسعودي أملح؛ وكلتا الروايتين إلى مآل واحد، وفي رواية أخرى يقول الرجل العاصي: "إنهم زنادقة يقرءون القرآن على صياح الديكة". وروى ابن الأنباري في "طبقات الأدباء": أن محمد بن المستنير المعروف بقطرب المتوفى سنة ٢٠٦هـ لما صنف كتابه في التفسير؛ أراد أن يقرأه في الجامع؛ فخاف من العامة وإنكارهم عليه؛ لأنه ذكر فيه مذهب المعتزلة؛ فاستعان بجماعة أصحاب السلطان ليتمكن من قراءته في الجامع. والأخبار من مثل ذلك غير قليلة. ١ ومن ذلك أن "حكم الشارع" صار عند المتأخرين أحد المبادئ العشرة لكل فن. ٢ قال ابن قتيبة "في تأويل مختلف الحديث": هو جلد جفر ادعوا أنه قد كتب لهم الإمام فيه كل ما يحتاجون إلى علمه، وكل ما يكون إلى يوم القيامة، ثم أورد أمثلة من تفسبرهم، فمن ذلك قولهم في قول الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} : إنها عائشة رضي الله عنها. وفي قوله تعالى: {فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا} : أنه طلحة والزبير، وقولهم في آية الخمر والميسر: إنهما أبو بكر وعمر. وفي آية الجبت والطاغوت: إنهما معاوية وعمرو بن العاص. إلخ إلخ، وكان بعض أهل الأدب يقول: ما أشبه تفسير الرافضة للقرآن إلا بتأويل رجل من أهل مكة للشعر، فإنه قال ذات يوم: ما سمعت بأكذب من بني تميم زعموا أن قول القائل: بيت زرارة محتب بفنائه ... ومجاشع وأبو الفوارس نهشل أنه في رجال منهم. قيل له: فما تقول أنت فيهم؟ قال: البيت بيت الله، وزرارة الحجر. قيل: فمجاشع؟ قال: زمزم جشعت بالماء. قيل: فأبو الفوارس؟ قال: أبو قيس. قيل: فنهشل؟ قال: نهشل أشدها. وفكر ساعة ثم قال: نهشل مصباح الكعبة؛ لأنه طويل أسود، فذلك نهشل. ا. هـ. والمراد بالجفر رق صنع من جلد البعير. ومن أراد الاتساع في معرفته فليرجع إلى ما نقله صاحب كشف الظنون في معنى علم الجفر والجامعة وأهل هذا العلم=