وإذا أردت أن تبلغ عجبًا من هذا المعنى، فتأمل آخر سورة في القرآن وأول ما يحفظه الأطفال، وهي سورة {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} وانظر كيف جاءت في نظمها وكيف تكررت لفظة الفاصلة وهي لفظة "الناس" وكيف لا ترى في فواصلها إلا هذا الحرف "السين" الذي هو أشد الحروف صفيرًا وأطربها موقعًا من سمع الطفل الصغير وأبعثها لنشاطه واجتماعه، وكيف تناسب مقاطع السورة عند النطق بها تردد النفس في أصغر طفل يقوى على الكلام، حتى كأنها تجري معه وكأنها فصلت على مقداره، وكيف تطابق هذا الأمر كله من جميع جهاته في أحرفها ونظمها ومعانيها، ثم نظر كيف يجيء ما فوقها على الوجه الذي أشرنا إليه, وكيف تمت الحكمة في هذا الترتيب العجيب. وهذه السور القصار لو لم تكن في القرآن الكريم كلها أو بعضها ما نقصت شيئًا من خصائصه في الإعجاز، ولكن عسى أن يكون الأمر في حفظه على غير ما نرى إذا هي لم تكن فيه. فتبارك الله سبحانه {مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا} . ويضاف إلى هذه الحكمة فائدة أخرى وهي تيسير القرآن وأداء الصلاة على الأمة فإنهم لولا هذه السورة لتركوا الصلاة جميعًا إذ لا تصح الصلاة إلا بآيات مع الفاتحة؛ وقد أغنتهم القصار ويسرت عليهم فكانت على ما تضمنته وحفلت به معجزة اجتماعية كبرى.