ثم يفهم أهل القلوب الحديثة مع كل هذه الوجوه أن المراد من الآية إثبات ما كشفته هذه العلوم، من أن القمر جرم مظلم، وإنما يضيء بما ينعكس عليه من نور الشمس التي هي "سراجه" إذ النور لا يكون من ذات نفسه ابتداء، ولا بد له من مصدر يبعثه، فذكر السراج بعد النور دليل على أن هذا مصدره ذاك. فتأمل، أيمكن أن يكون هذا في طاقة رجل من العرب منذ ثلاثة عشر قرنًا في تلك الجزيرة؟ وإذا كان في طاقته وكان ينظر إلى حقيقة المعنى العلمي -مع أن هذا المعنى يعرفه المفسرون في استبحار التمدن الإسلامي- فهل كانت تجيء العبارة إلا على الأصل الذي في نفسه فتخرج صريحة في المعنى، كما هي طبيعة الكلام الإنساني! إن بين الآية وبين كلام الناس، كالفرق بين نبي يوحى إليه وبين معلم جغرافيا!.