لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحى ... وأسيافنا يقطرن من نجدة دما ولدنا بني العنقاء وابن محرق ... فأكرم بنا خالًا وأكرم بنا ابنما فقالت الخنساء: ضعفت افتخارك وأبرزته في ثمانية مواضع. قال: وكيف؟ قالت: قلت "لنا الجفنات" والجفنات ما دون العشر، فقللت العدد، ولو قلت "الجفان" لكان أكثر، وقلت "الغر" والغرة البياض في الجبهة، ولو قلت "البيض" لكان أكثر اتساعًا، وقلت "يلمعن" واللمع شيء يأتي بعد الشيء ولو قلت "يشرقن" لكان أكثر؛ لأن الإشراق أدوم من اللمعان، وقلت "بالضحى" ولو قلت "بالعشية" لكان أبلغ في المديح؛ لأن الضيف بالليل أكثر طروقًا، وقلت "أسيافنا" والأسياف دون العشر، ولو قلت "سيوفنا" كان أكثر، وقلت "يقطرن" فدللت على قلة القتل، ولو قلت "يجرين" لكان أكثر، لانصاب الدم، وقلت "دمًا" والدماء أكثر من الدم، وفخرت بمن ولدت ولم تفتخر بمن ولدوك! ا. هـ. ومثلها كثير في أخبار العرب لا حاجة بنا إلى استقصائه، ويخيل إلينا أن بلغاء العرب ابتلوا بالرعب بعد أن استيقنوا بالإعجاز فأجروا القرآن كله على التسليم حذار أن ينفضحوا إذا انتقدوا فيه شيئًا، وكفر من كفر منهم وطبيعته مؤمنة، وهذا تعرفه في كل إنسان حين يبتلي بما ليس في طاقته أو علمه أو احتماله.