٢ أومأنا في صفحة ١٤٢ إلى شبيه هذا المعنى، وهو أن القرآن جعل البلاغة الإسلامية أرقى من البلاغة الجاهلية، وقد رأينا أن نسوق في هذا الموضع كلامًا لابن خلدون، توفية لفائدة ما نحن فيه. قال في الفصل الذي عقده لبيان أن حصول الملكة بكثرة الحفظ إلخ، ويظهر لك من هذا الفصل وما نقرر فيه، سر آخر، هو إعطاء السبب في أن كلام الإسلاميين من العرب أعلى طبقة في البلاغة وأذوقها من كلام الجاهلية في منثورهم ومنظومهم، فإنا نجد شعر حسان بن ثابت، وعمر بن أبي ربيعة، والحطيئة، وجرير، والفرزدق، ونصيب، وغيلان ذي الرمة، والأحوص، وبشار، ثم كلام السلف من العرب في الدولة الأموية وصدرًا من الدولة العباسية، في خطبهم وترسيلهم، ومحاوراتهم الملوك أرفع طبقة في البلاغة من شعر النابغة، وعنترة، وابن كلثوم، وزهير، وعلقمة بن عبدة، وطرفة بن العبد، ومن كلام الجاهلية في منثورهم ومحاوراتهم، والطبع السليم والذوق الصحيح شاهدان بذلك للناقد البصير بالبلاغة، والسبب في ذلك أن هؤلاء الذين أدركوا الإسلام، وسمعوا الطبقة العالية من كلام في القرآن والحديث اللذين عجز البشر عن الإتيان بمثلهما، لكونها ولجت في قلوبهم، ونشأت على أساليبها نفوسهم، فنهضت طباعهم، وارتقت ملكاتهم في البلاغة عن ملكات من قبلهم من أهل الجاهلية،=