للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن هذا الباب كلامه صلى الله عليه وسلم مع ذي المشعار الهمداني، وطهفة النهدي وقطن بن حارثة العليمي، والأشعث بن قيس، وغيرهم من أقيال حضرموت ورجال اليمن، وقد أحصاه أهل الغريب وفسروه، وانظر كتابه إلى همدان، ومنه:

" ... إن لكم فراعها ووهاطها وعزازها١، تأكلون علافها، وترعون عفاءها٢؛ لنا من دفئهم وصرامهم٣ ما سلموا بالميثاق والأمانة، ولهم من الصدقة الثلب والناب والفصيل٤ والفارض والداجن والكبش الحوري٥، وعليهم فيها الصالغ والقارح"٦.

فهذه طائفة يسيرة مما انتهى إلينا من غريب اللغات التي كان يعلمها النبي صلى الله عليه وسلم؛ وإنما خرجت عنه هي وأمثالها، مما جمعوا حديثًا كالأحاديث، ورويت كما فصلت؛ ولولا أنها وجه من التاريخ والسيرة، وضرب من تعليم أولئك القوم، لقد كانت انقطعت بها الرواية فلم ينته إلينا منها شيء، فهي ولا ريب لم تكن مجتلبة، ولا متكلفة، ولا ترامي إليها البحث والتفتيش، وإنما جرت منه صلى الله عليه وسلم مجرى غيرها؛ مما قذفه الطبع المتمكن، وألفته السليقة الواعية، ولا ريب أن وراءها في ذلك الطبع وتلك السليقة، ما وراء ألفاظها من سائر ما انفردت به تلك اللغات عن القرشية، فلا بد أن يكون صلى الله عليه وسلم محيطًا بفروق تلك اللغات، مستوعبًا لها على أتم ما تكون الإحاطة والاستيعاب، كأنه في كل لغة من أهلها، بل أفصح أهلها.

وإنما يحمل هذا على قوة في فطرته اللغوية، تتميز بالإلهام عن سائر العرب من قومه وغير قومه، على النحو الذي اختصت به ذاته الشريفة بالوحي من ربه، والباب في كلتا الجهتين واحد أيسره وأكثره.


= من الكرائم، بل تكون وسطًا وهو المراد بقوله: "وأنطوا الثبجة" أي: أعطوا بلغتهم، إذ يبدلون العين نونًا، والثبجة: الوسط، ومنه ثبج البحر.
والسيوب: جمع سيب، وهو العطية. والمراد به الركاز. وهو دفين الجاهلية ومم بكر، ومم ثيب أي: من بكر، ومن ثيب، وهي لغتهم في إبدال النون ميمًا، الصقع: الضرب، والاستيفاض: النفي والتغريب.
والأضاميم: الحجارة الصغار. والتوصيم: الفترة والتواني.
ويترفل أي: يترأس، وتروى في هذا الكتاب صورة أخرى بزيادات غريبة.
١ الفراع: مجاري المياه إلى الشعب، والوهاط والوهاد بمعنى واحد: وهي الأراضي المنخفضة، والعزاز: الأرض الصلبة.
٢ العلاف: جمع علف. والعلفاء ما ليس فيه ملك.
٣ الدفء والصرام أي: الإبل والغنم.
٤ الثلب: البعير الهرم الذي تكسرت أسنانه، والناب: الناقة الهرمة. والفصيل: ولد الناقة إذا فصل عن أمه.
٥ الفارض: المسن من الإبل. والدواجن: الدابة التي تألف البيوت. والحوري يقال في تفسيره: إنه المكوي، منسوب إلى الحوراء، وهي كية مدورة، ويقال: حوره إذا كواه هذه الكية لا.
٦ الصالغ من البقر، والغنم: الذي كمل وانتهت سنه في السادسة, والقارح من ذي الحافر: بمنزلة البازل الإبل. وكل ذلك الذي كمل وانتهى في القوة.

<<  <  ج: ص:  >  >>