للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأستطيع أن أقول جازمًا: إن الرافعي اعتمد على كتب الطبقات والتراجم في الجمع لهذا الكتاب أكثر مما اعتمد على الكتب الخالصة للأدب، وكان اتجاهه إلى ذلك سببًا في توفيقه إلى ما لم يوفق إليه غيره في موضوعه.

قدمت في الجزء الأول من هذا الكتاب ذكر السبب الذي حفز الرافعي للتأليف في تاريخ آداب العرب، قلت: إنه انقطع لذلك في منتصف سنة ١٩٠٩ ثم أخرج الجزأين الأول والثاني في سنتي ١٩١١ و١٩١٢ ولم يظهر له بعد ذلك شيء حتى وافاه أجله!.

وكنت سمعت منه رحمه الله أنه أتم الجزء الثالث ورأيت موضعه من خزانة كتبه، ولكني لم أقرأ منه شيئًا ولم أعرف موضوع بحثه، ثم قرأت على غلاف بعض مؤلفاته المطبوعة إعلانًا عن الجزء الثالث وموضوعه "تاريخ الخطابة والأمثال والشعر" فأيقنت أنه كتاب تام التأليف والتصنيف.

فلما كان الشتاء الماضي واتفقت "المكتبة التجارية" على نشر مكتبة الرافعي، ذكرت فيما ذكرت هذا الكتاب وعرضت أمره؛ فرغبت المكتبة في نشره، ووكلت إلي أن أقوم بترتيب مواده وتنظيم أبوابه وتحقيق أصوله وإعداده للطبع، وضربت لذلك أجلًا قريبًا، فرضيت؛ كل ذلك ولم أقرأ الكتاب، ولم أستيقن موضوعه، ولم أطلع عليه، وكل مبلغي من العلم به أنني أعرف موضعه من خزانة كتب مؤلفه.

وأخذت أهبتي للعمل، وزرت المكتبة التي خلفها صاحبها أوراقًا مركومة وكتبًا تستند إلى الجدران؛ وبحثت عن الكتاب حتى عثرت به، وكشفت عنه، فعرفت.

هذا كتاب مطبوع بين يدي قارئه، لا يكاد يخطر بباله حين رآه أن يسأل نفسه: ما كان هذا الكتاب وماذا صار؟ ولكني محدثه بخبره، لعله -إن عرف- يجد لي عذرًا مما قد يراه فيه موضعًا للعتب أو المؤاخذة:

لقد كنت مخطئًا حين حسبت في أول أمري أني سأجد حين أجد كتابًا تام التأليف والتصنيف، ليس علي إلا أنه أهيئه للطبع ثم أصحح تجاربه في المطبعة؛ فإني ما كدت أحل الرباط عن الأضابير التي تضخمه حتى وجدت أوراقًا بالية حائلة اللون من تقادم السنين، وقصاصات مبعثرة على غير نظام لا يكاد يعرف أين مكانها من موضوعات البحث.

ثم جهدت أن أعرف موضوعات الكتاب، ونهجه، وتبويبه؛ فلم أهتد إلى شيء، ولم أجد بين يدي إلا ورقات قد اجتمعت على غير ترتيب ولا نظام، في كل صفحة منها حديث عن موضوع، ليس لها بما قبلها ولا بما بعدها سبب.

وحاولت أن أقرأ صحيفة مما بين يدي، فأعياني ذلك إعياء أيأسني من الاستمرار.. فإن خط الرافعي كما قلت في بعض ما كتبت عنه: هو أردأ خط قرأت في العربية، حتى لقد كان يعيا هو نفسه أحيانًا عن قراءة بعض ما يكتبه بخطه بعد مضي ساعات!

<<  <  ج: ص:  >  >>