عناصر دقيقة تنتظم بطبيعتها على النحو الذي يصورها في شكلها الملائم لتصريف مادة القوة فيها وعلى حسب ما يصرف الشاعر من هذه القوة.
فإذا اتفق الشعراء على شكل واحد وعلى أنواع معروفة لا تكافئ أغراض الحياة، فقد سقطوا من منزلتهم الطبيعية المبنية على تنوع القوى، وعند ذلك تظهر في مجموعة شعرهم الزيادة عن الحاجة الخاصة بأكثر مما يظهر فيه النقص عن الحاجة العامة اللازمة للاجتماع، وتكون النتيجة من ذلك أن يضج أكثرهم [من وقت الحرفة] لأن المتفردين منهم بظهور القوة هم الذين يكونون شعراء الناس فيجتازون، والباقين يكونون شعراء أنفسهم فيغيبون في شعراء الناس.
وليس يؤخذ مما ذكرناه أن شعراء العرب لم يكونوا على بينة من حقيقة الشعر، بل هم قد تبينوها ولكن لم تمكنهم حالة عصرهم التفنن في أقسام الشعر وتنويعه على معاني الحياة الراقية؛ إذ كانت هذه الحياة غير متيسرة لهم، وكان حقا على من جاءوا بعدهم، ولكنهم إنما درسوا الشعر في الغالب لينوعوا به الحياة، وكان الصحيح لو أثبتوا سنة العرب أنفسهم ودرسوا الحياة لينوعوا بها الشعر.
وسنأخذ في تاريخ أهم الأبواب التي فيها يدخل النظم العربي وهي: الهجاء، والمديح، والحماسة، والرثاء، والتشبيب، والوصف، والسياسة، والحكمة، والهزل، وشعر الحكاية، وشعر الترقيص. ونتبعها بفصل في الشعر العلمي، وهو الذي تنظم فيه المتون والضوابط والكتب، مقتصرين على تاريخ كل باب دون البحث في وجه المعنى وطريق صنعته، فذلك من موضوع البلاغة ونقد الشعر.