ملتفت إلى المعنى، ومدغليس ملتفت إلى اللفظ، وكان أديبًا معربًا لكلامه مثل ابن قزمان، ولكنه لما رأى نفسه في الزجل أنجب، اقتصر عليه "ص٢٣٧ ج٢: نفح الطيب"، وقد ذهب مدغليس بشهرة القرن السادس، حتى ظهر ابن جحدر الأشبيلي في النصف الأول من القرن السابع، وكان إمام الزجالين في عصره، ثم كانت الإمامة بعده لإمام الأدب أبي الحسن سهل بن مالك، ثم استقل بها في أول المائة الثامنة أبو عبد الله الألوسي، ثم محمد بن عبد العظيم من أهل وادي آش، ومعاصره لسان الدين بن الخطيب الشهير، وفي هذه المائة صارت الطريقة الزجلية فن العامة بالأندلس، واستحدثوا منها نوعًا سموه الشعر الزجلي، وذلك أنهم ينظمون بها في بحور الشعر، لكن بلغتهم العامية، فتجمع وزن الشعر ولحن الزجل على المبالغة المألوفة.
أما المشارقة فقد أولعوا بالزجل وأكثروا في أوزانه، حتى قالوا: صاحب ألف وزن ليس برجال، والمتأخرون من أهل هذا الفن يقولون إنه لم يتصل بهم أكثر من خمسين وزنًا. وتفننوا في إيداعه أنواع البديع، ومن أشهرهم في ذلك علاء الدين بن مقاتل الحموي من أدباء الملك المؤيد صاحب حماة، وقد استشهد ببعض أزجاله ابن حجة في كتابه "خزانة الأدب" في باب الجناس المقلوب وفي باب التوجيه وغيرهما "ص٥٠، ١٧٠" متابعًا في ذلك الشيخ شمس الدين بن الصائغ، فقد ذكر أنه استشهد في شرحه المسمى "رقم البردة" بشيء من أزجال أهل عصره على بعض أنواع البديع "١٧٦ خزانة الأدب"، وقلده هو في ذلك ولكنه لم يورد لغير علاء الدين بن مقاتل، لذهاب شهرته شرقًا وغربًا، وإبداعه في إيداعه، وافتراعه في اختراعه.
وللمصريين تاريخ خاص في الزجل؛ لأن هذه الطريقة توافق ما في طباعهم من اللين ومشايعة الكلام بشيء من التهكم الذي تبعث عليه صفة [الفتور] الطبيعية فيهم، وهي التي يقال فيها إنها ذوق حلاوة النيل. وقد اخترع المصريون في الزجل نوعين سموهما البليقة والقرقية. قال صاحب كتاب "الأقصى القريب"، وهو أبو عبد الله محمد التنوخي، في كلامه على الموشحات والأزجال: ومنها قرقيات المصريين وبليقاتهم، والفرق بينهما وبين الزجل أن الزجل متى جاء فيه الكلام المعرب كان معيبًا، والبليقة ليست كذلك، فيجيء فيها المعرب وغير المعرب، ولذلك سميت بليقة؛ من البلق، وهو اختلاف الألوان، وتفارق البليقة القرقية في أن البليقة لا تزيد على خمس حشوات غالبًا، وقد تنتهي إلى السبع قليلًا، والقرقية تزيد كثيرًا على حكم الزجل في ذلك، وسميت القرقية كذلك من القرقة وهي لعبة يلعب بها صبيان الأعراب، وهذه اللعبة سماها صاحب "القاموس": القرِق، ووصفها ورسمت خطوطها في "تاج العروس"، فانظرها هناك.
وقد كان اختراع البليقة في القرن السابع، ثم تبسطوا فيها بعد ذلك فكانت القرقيات، ولا تحقق تاريخها، ولكنها متأخرة عن المائة السابعة حتمًا، وقد استدللنا على ذلك بما ذكره صاحب "فوات الوفيات" إذ قال في ترجمة صدر الدين بن المرحل المتوفى سنة ٧١٦هـ بالقاهرة، وهو المعروف في كتب الشاميين بابن الوكيل المصري:"وشعره مليح إلى الغاية، وكان ينظم الشعر والموشح والدوبيت والمخمس والزجل والبليق". فلو كانت القرقيات يومئذ معروفة لذكرها وإن كانت من الزجل، فقد ذكر