للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المخمس وهو من الشعر "ص٢٥٤ ج٢: فوات الوفيات".

وأشهر نوابغ المصريين في الأزجال من المتقدمين، الغباري الذي نبغ في عهد السلطان حسن، فإن له أزجالًا بعيدة الشهرة بما فيها من دقة الصنعة وإبداع المعاني وكثرة [التفنن] . وقد رأينا في مجموعة من مدائحه حملًا زجليا "أهل هذا الفن يسمون ما يعادل القصيدة في الشعر منه: حملًا" لرئيس العامة في هذا الفن على عهد محمد على باشا، وهو محمد الحباك القشاشي، يزاهي ٥٦٠ بيتًا، مدح فيه أهل مصر على طريقة عامية، وذكر علماءها وأشرافها ومتنزهاتها وعد أكثر أسواقها -لأنه من سوق كان يسمى القشاشين ذكره في الزجل- وقال في آخره ما يستدل منه أنه يعارض الغباري في حمل له بهذا المعنى، وقال: إن الغباري ما استطاع أن يضبط محاسن مصر فيما وصف. ومما استفدناه من هذه المجموعة، أن للزجل أوزانًا كانت مشهورة، منها وزن: "أصبحت مصر نزهة للناظرين"، ووزن "على داري"، ووزن "في الهند مكتوب" وللمتأخرين من عوام العصر مثل هذه الأوزان أيضًا، ويعدون منها "بفته هندي يا بنات".

ولم يزل فن الزجل مشهورًا بمصر إلى عهدنا، ولأهله فيه إحسان كثير وهم يرتجلونه ويحاضرون به، وقد ذكر الأديب عبد الله نديم المصري الشهير في مجلة الأستاذ واقعة في المساجلة بالزجل مع بعض رؤساء الفن من العامة، وكان الشرط أن من تلعثم أو استبلع الآخر ريقه يبتغي بذلك مهل البديهة وخلسه الفكر فهو المغلب، وذكر هناك بعض الأوزان التي أخذوا فيها؛ فارجع إليها فإنها عجيبة.

والزجل اليوم أحد أنواع الشعر العامي الباقية لعهدنا، وقد اختص به المصريون، فيقال: الزجل المصري، كما يقال: المعنَّى السوري، والزهيري البغدادي.

ومما نوفي به فائدة هذا الفصل، أن ظرفاء المصريين يقولون في الفنون السبعة التي نكتب تاريخها: "السبعة وتمّتها" ويريدون هذه "التمة" فن الواو الذي ذكرناه وأبحرا أخرى ينظمون عليها العامية في أوزان خاصة، يعارضون بها أسماء البحور الشعرية، ومنها المستطيل في معارضة الطويل، والممتد في معارضة المديد، والمتوفر في معارضة الوافر، وغير ذلك مما يبعث عليه الظرف المصري، وهو بجملته معدود من الزجل فلا حاجة إلى إيراد أنواعه وأمثلته.

فنون أخرى:

قال ابن خلدون بعد كلامه على الأزجال: ثم استحدث أهل الأمصار بالمغرب فنا آخر من الشعر في أعاريض مزدوجة كالموشح، نظموا فيه بلغتهم الحضرية أيضًا وسموه عروض البلد، وكان أول من استحدثه فيهم رجل من أهل الأندلس نزل بفاس يعرف بابن عمير، فنظم قطعة على طريقة الموشح ولم يخرج فيها عن مذاهب الإعراب، مطلعها:

أبكاني بشاطي النهر نوح الحمام ... على الغصن في البستان قريب الصباح

فاستحسنه أهل فاس وأولعوا به ونظموا على طريقته وتركوا الإعراب الذي ليس من شأنهم وكثر

<<  <  ج: ص:  >  >>