للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

العين كان عيبًا، وهو الغمم، والحسن منها أن تكون الناصية كأنها حبشة، أي: قصيرة مجتمعة "ص١٣ ديوان امرئ القيس" وفي هذه القصيدة وهو مما نحن فيه:

لها متنتان خظاتا كما ... أكب على ساعديه النمر

يريد أن لها متنين كساعدي النمر البارك، في الغلظ واكتناز اللحم؛ والمستحب عندهم تعريق المتن وتعريق الوجه، كما قال طفيل وهو أحد نعات الخيل المجيدين:

معرقة الألحى تلوح متونها

أي: معرقة الوجوه ويكاد يستبين العصب من قلة اللحم، وكذلك المتون؛ وقد وصف امرؤ القيس الخيل في هذه القصيدة وصف سمسار يزين فرسًا في السوق لا وصف فارس، ولولا تصعلكه لجاء من ذلك بما لا يلحق له الشعراء غبارًا، وهذا شيء تعرفه بمقارنة معانيه في الخيل بمعاني غيره من فرسانها. ومن قبل ما نحن فيه قوله في الغزل:

وإذا هي تمشي كمشي النزيـ ... ـف يصرعه بالكثيب البهر

يصف تفتر الحسناء في مشيتها بمشية المنزوف دمه أو عقله بالسكر إذا صعد كثيبًا فانقطع نفسه من الإعياء والكلال، فانظر هذه المبالغة الباردة وهذا التشبيه القبيح، وما عسى أن تكون تلك الحسناء إلا في الدرجة الثالثة من السل.

ولهذا الشاعر طريقة في التشبيه جاء منها بأبيات معدودة، وهي تناسب التتبيع الذي سنتكلم عنه؛ لأنه كان أول من اخترعه، وهذه الطريقة هي أن يريد من الوصف ما يلزم من حقيقته الممثلة في الذهن، وقد اتفق له من ذلك ما يعد غاية في الحسن، كقوله في وصف سالفة الفرس:

وسالفة كسحوق الليا ... ن أضرم فيها الغوي السعر

فلقد أراد من وصف عنق الفرس بأنها شجرة متوقدة من شجر الكندر ما يستتبعه هذا الوصف من لون النار، وهي الشقرة، فكأنه أراد أن يقول إن فرسه شقراء، فاحتال لذلك بهذا التشبيه البديع، وقد أخذ هذا التشبيه أوس بن حجر فقال:

حتى يلف نخيلهم وبيوتهم ... لهب كناصية الحصان الأشقر

وبيته معدود عند أهل البديع من عجيب ما وقع في باب التتبيع "ص٢١٧ ج١: العمدة"؛ لأنهم يقولون إنه أراد الحرب التي هي المقصود بالصفة.

وبمقدار ما أحسن [امرؤ القيس] في هذا القول أساء في قوله:

كأن على لباتها جمر مصطل ... أصاف غضا جزلًا وكف بأجزال

وهبت له ريح بمختلف الصوى ... ضبا وشمال في منازل قفال

وهي على طريقته تلك؛ فإنه أراد أن يصف توقد الحلى وصفاءه على لبات تلك الحسناء، فخلص إلى ذلك من طريق الشياطين والزبانية.... إذ لم يكفه أن جعله على صدرها كالجمر، بل خصه بجمر المصطلى؛ لأنه لا يزال يذكيه ويقلبه فهو يتوقد ويظهر جمرة جمرة، ثم كأنه استقل هذا

<<  <  ج: ص:  >  >>