ألا ليت شعري هل يرى الناس ما أرى ... من الأمر أو يبدو لهم ما بدا ليا
"ص٥٨٢: شعراء النصرانية"
فنفاها الأصمعي؛ لأنها لا تشبه كلامه؛ إذ كانت ألفاظ زهير طريقة بينة، وكان شعره نفسًا لا فتور فيه ولا تلبث، وحسبه بمثل هذا الدليل, إذا كان الدخيل في القوم لا يستدل بغير انقطاع نسبه على أنه دخيل.
ويظهر لمن تدبر شعر زهير أنه ضعيف الابتكار والاختراع، لا يعارض في ذلك الفحول المعدودين كامرئ القيس وغيره، ولكن ألفاظه وصنعته غطت على هذا النقص؛ فقلما ينكشف إلا لمن عارض وتتبع؛ وقد تراه يأخذ في صفة من الصفات كنعت الناقة أو حمر الوحش أو طراد الصيد، فلا يزال ينحتها من ألفاظه حتى تتمثل كأنها دمية مصور [إن لم تكن فيها حياة فإن الحسن في تمثالها حي] .
وترى الرأي يغلب شعر هذا الرجل، فكأنه شعر سيد لا شعر شاعر، وأكثر ما يظهر ذلك من أبياته الهمزية التي يقال إنه هجا بها آل بيت من كلب من بني عليم بن حبان وذلك حيث يقول فيها "ص٥٥٢: شعراء النصرانية":
وما أدري وسوف إخال أدري ... أقوم آل حصن أم نساء
فإن قالوا النساء مخبآت ... فحق لكل محصنة هداء
وإما أن يقول بنو مصاد ... إليكم، إننا قوم براء
وإما أن يقولوا قد وفينا ... بذمتنا فعادتنا الوفاء
وإما أن يقولوا قد أبينا ... فشر مواطن الحسب الإباء
وإن الحق مقطعه ثلاث ... يمين أو نفار أو جلاء
وبهذا البيت الأخير سمي زهير قاضي الشعر. أما قوله: وما أدري ... إلخ فهو الذي اختاره علماء البلاغة مثالًا في باب التشكك، وهو من ملح الشعر وطرف الكلام، وله في النفس حلاوة وحسن موقع، بخلاف ما للغلو والإغراق؛ لأنه يدل على قرب الشبهين حتى لا يفرق بينهما؛ فقد أظهر زهير أنه لم يعلم أهم رجال أم نساء؛ وهذا أملح من أن يقول هم نساء؛ وأقرب إلى التصديق، وأبلغ في التهكم والازدراء والتنقص "ص٥٣ ج٢: العمدة" ومن هذه القصيدة:
ولولا أن ينال أبا طريف ... إسار من مليك أو لحاء١
لقد زارت بيوت بني عليم ... من الكلمات آنية ملاء
ولعمري إن هذه الآنية الملاء لطرفة من طرف الاستعارة، وإن حسنها إنما تم بذكر البيوت في صدر الشعر. وفيها أيضًا:
١ أبو طريف: كان مأسورًا عندهم، والإسار: سوء الأسر وشدته، والمليك: الأمير لأنه يملكهم، واللحاء: الملاحاة واللوم.