وإني لو لقيتك فاجتمعنا ... لكان لكل مندية لقاء
ويروى: لكل منكرة كفاء، وهي لمحة دالة أشار بها لقبح ما كان يصنع له لو لقيه، وهذا البيت عند قدامة أفضل بيت في الإشارة التي لا يأتي بها إلا الشاعر المبرز والحاذق الماهر.
ولا بأس أن ننسحب على هذا الأثر من البديع، فإن ذلك من متممات زهير، ولولاه لما كان لصنعته شأن، وقد كان يتوكأ في هذه الطريقة على من تقدمه من الفحول ويلوذ بهم، كامرئ القيس وأوس بن حجر وابي دؤاد الإيادي، كما اتبع في صفته امرأ القيس قوله:
كأن فتات العهن في كل منزل ... نزلن به حب الفنا لم يحطم
فإنه أوغل في التشبيه إيغالًا؛ بتشبيهه ما يتناثر من فتات الأرجوان بحب الفنا الذي لم يحطم؛ لأنه أحمر الظاهر أبيض الباطن، فإذا لم يحطم لم يظهر فيه بياض ألبتة، وكان خالص الحمرة، وقد اتبع بيت امرئ القيس:
كأن عيون الطير حول خبائنا ... وأرحلنا الجزع الذي مل يثقب
وكذلك اتبع في نفي الشيء بإيجابه حيث يقول:
بأرض خلاء لا يسد وصيدها ... علي ومعروفي بها غير منكر
فأثبت لها في اللفظ وصيدًا، وإنما أراد ليس لها وصيد فيسد، وله في المبالغة والتتميم العجيب قوله:
من يلق يومًا على علاته هرمًا ... يلق السماحة منه والندى خلقا
فإنه يريد بقوله: "على علاته" ما يكون من قلة المال والعدم، أي: فكيف به وهو على خير تلك الحال، وقد جاء له في هذه القصيدة:
يطعنهم ما ارتموا حتى إذا أطعنوا ... ضارب حتى إذا ما ضاربوا اعتنقا
قالوا إنه أتى بجميع ما استعمل في وقت الهياج وزاد ممدوحه رتبة وتقدم به خطوة على أقرانه، وهو نوع من التقسيم تأتي فيه الزيادة تدريجًا وترتيبًا، ولذلك يصعب على متعاطيه ويقل جدا حتى إنهم لم يجدوا من الشعر عديل هذا البيت "ص٢٠ ج٢: العمدة".
ذلك بعض صنعته، أما معانيه فإن أكثر ما قدم به زهير المديح، وهو الذي ألقى عن المادحين فضول الكلام، وله في ذلك أبيات لم يسبق إليها، كأبياته القافية التى يقول فيها:
من يلق يومًا على علاته هرما
ونحو ذلك:
من ضريبته التقوى، ويعصمه ... من سيئ العثرات الله والرحم١
مورث المجد لا يغتال همته ... عن الرياسة لا عجز ولا سأم
١ الضريبة: الخليقة.