وقصيدته اللامية التي مطلعها:
صحا القلب عن سلمى وقد كاد لا يسلو
وفيها يقول:
على مكثريهم رزق من يعتريهم ... وعند المقلين السماحة والبذل
وما يك من خير أتوه فإنما ... توارثه آباء آبائهم قبل
وهل ينبت الخطي إلا وشيجة ... وتغرس إلا في منابتها النخل
كذلك أبياته التي استجمع فيها ضروب المديح من العقل والعفة والعدل والشجاعة، وهي التي يقول فيها، وهي من المديح المنصوص عليه، وقد عدوها شرفًا لمن قيلت فيهم:
أخي ثقة لا تتلف الخمر ماله ... ولكنه قد يهلك المال نائله
تراه إذا ما جئته متهللًا ... كأنك تعطيه الذي أنت سائله
وقد اختارها قدامة في نقد الشعر وشرحها على ذلك التقسيم.
ونحن لسنا في سبيل الاختيار، وإنما نسوق ما لا يزيلنا عن طريق البحث؛ ولزهير طريقة في تقريب المبالغة والبلوغ إلى الإفراط والإغراق من طريق الحقيقة، كراهية للكذب الثقيل، وبغضة لسوء التأليف الذي يجيء من ناحية الإغراب، فتراه يداور المعاني حتى يبصر لها طريقًا إلى الحقيقة، ويجد لها مخلصًا إلى الواقع كقوله:
لو كنت من شيء سوى بشر ... كنت المنور ليلة البدر
وقوله أيضًا:
لو كان يقعد فوق الشمس من كرم ... قوم بأولهم أو مجدهم قعدوا
وعلى هذه الطريقة يحمل قول عمر: إنه لا يمدح الرجل إلا بما فيه، ولا ترى زهيرًا يشذ عنها في شيء، حتى لقد بلغ من معرفتهم ذلك له أنهم حملوا عليه الجواب المروي عن أوس بن حجر حين سأله رجل وقد سمعه يقول:
ولأنت أشجع من أسامة إذ ... دعيت نزال ولج في الذعر
فقال له: أنت لا تكذب في شعرك، فكيف جعلته أشجع من الأسد؟ فقال أوس: إني رأيته فتح مدينة وحده، وما رأيت أسدًا فتحها قط, وذلك لتخصص زهير بتلك الطريقة والتزامه إياها.
على أن سبب هذا الالتزام قد يكون من ضعف الخيال؛ لأنه لم تستقل له طريقة فيه، ولا هو كان من المتبسطين في فنون المجاز، كما قد يكون أنفة ونزوعًا إلى مذاهب السيادة، وتورعًا عن أمثال تلك التكاذيب، وهو الأرجح عندنا لما قدمنا من أن هذا الرجل خلق سيدًا قبل أن يخلق شاعرًا؛ ولذلك قصر مديحه ولم يجعله تجارة كما جعله الأعشى، ولا انحط فيه إلى تساقط الهمة كما فعل النابغة، ولا زين باطلًا، ولا اختلق موضوعًا، بل كان مديحه تاريخًا صحيحًا.
ومن أجل هذا كان لا يحتال إلى التخلص في قصائده، بل يقتضب المديح، أو يتخلص بمثل