أبو بكر بن زيدون، وابنه أبو الوليد بن زيدون الشهير، وكان أبو بكر بن عمار ينتسب إلى مهرة من قضاعة، وغير هؤلاء كثيرون، فضلًا عمن لم يعرف سبيل اعتزائهم من الأدباء؛ لأن الانتساب إلى العرب كان محفوظًا بالأكثر في العلماء والفقهاء والأعيان، متميزًا فيهم، كبني سراج الأعيان من أهل قرطبة، ينسبون إلى مذحج، وبنو المنتصر العلماء من أهل غرناطة، إلى مرة بن أود بن زيد بن كهلان، وبنو أسماك القضاة من أهل غرناطة أيضًا إلى عاملة، وقيل: هم من قضاعة، وبنو عباد أصحاب إشبيلية، إلى لخم بن عدي، وهم من ولد النعمان بن المنذر صاحب الحيرة، إلى غير هؤلاء ممن أفردت لهم كتب الأنساب الأندلسية؛ وكان يقال لنساء غرناطة المشهورات بالحسب والجلالة: العربيات، لمحافظتهن على المعاني العربية "ص٤٩٢ ج٢: نفح الطيب" فكأن الطبيعة بتلك الوراثة العربية قد تعاون باطنها وظاهرها على إيجاد الأدب الأندلسي وإجادته.
أولية الأدب والعلوم:
فمن لدن فتح الأندلس إلى زمن الداخل -أي: نحو ٤٦ سنة- لم يكن في الأندلس ضرورة شعراء ولا كتاب من أهلها، بل كانوا من الطارئين، وهم مع ذلك لم يتميزوا ولم يبلغوا مبلغ أدباء العراق والشام، ومن هؤلاء أبو الحظار صاحب اليمانية، والصميل بن حاتم شيخ المضرية، وهما كبشا الفتنة العمياء؛ غير أنه كان في تلك المدة أبو الأجرب جعونة بن الصمة الكلابي، وكان معاصرًا لجرير والفرزدق وشعره على مذهب الأوائل من جاهلية العرب لا على طريقة المحدثين، وكذلك بكر الكناني، وهذان وحدهما هما اللذان عرفا بالشعر في ذلك الزمن؛ ولما توجه عباس بن ناصح الشاعر من قرطبة إلى بغداد ولقي أبا نواس استنشده من شعرهما "ص١٥٦ ج٢: نفح الطيب" وهذا يدل على أن شهرتهما ترامت إلى العراق. واستمرت تلك الحال إلى منتصف القرن الثاني، فعرف بالشعر حبيب بن الوليد الذي ينتهي نسبه إلى عبد الملك بن مروان، وقد توفي بعد المائتين "ص٥٧٤ ج١: نفح الطيب" وحوالي ذلك الزمن كان من قضاة الداخل معاوية بن صالح الحضرمي الحمصي، وكان به أدب وشعر، وكان عباس بن ناصح الثقفي قاضي الجزيرة الخضراء في أواخر هذا القرن يفد على قرطبة فيأخذ عنه أدباؤها، ومنهم يحيى الغزال أول المشاهير من شعراء الأندلس المفلقين، وكان يومئذ حدثًا "ص٤٤٥ ج١" وفي تلك الأيام عرف شاعر اسمه بكر بن عيسى.
هذه أولية الشعر في الأندلس؛ أما الكتابة فلعل أول من اشتهر بها أمية بن يزيد مولى معاوية بن مروان؛ وذلك لأنه لزم الكتابة لعبد الرحمن الداخل، وكان يكتب قبله ليوسف الفهري، وقد جعله الأمير عبد الرحمن في عديد من يشاوره ويفضل آراءه "ص٧٢ ج٢: نفح الطيب" ولم يكتب أحد قبله لهذا الأمير إلا أبو عثمان النقيب وصاحبه عبد الله بن خالد، إلا أن فضل الخصوصية والمشاورة كان لأمية دونهما.
أما أولية العلوم فإن أقدم ما اشتغلوا بمدارسته من العلوم إنما هو الفقه، حتى كان الأمراء الذين ولوا الحكم في القرن الثاني، وهم: الداخل، وهشام ابنه، والحكم بن هشام -لا يعنون إلا بالقضاة،