المعجب". توفي سنة ٤٦٠هـ، وكان أديب ملوك عصره، أما ملوك بني عباد فقد كانوا هم وبنوهم ووزراؤهم صدورًا في بلاغتي النظم والنثر، مشاركين في فنون العلم؛ وكانت دولتهم العبادية بالمغرب كالدولة العباسية بالمشرق، وكان المعتمد منهم لا يستوزر وزيرا إلا أن يكون أديبًا شاعرًا حسن الأدوات؛ وكان من شعراء أبيه المعتضد، أبو جعفر بن الأبار.... وأبقو الوليد وابنه الوزير ابن زيدون واليماني، وابن جاخ البطليوسي الذي يعد من أعاجيب الدنيا؛ لأنه كان أميا، وقد بلغ من حسن شعره أن ولاه المعتضد رياسة الشعراء؛ إذ كانت له دار مخصوصة بهم وديوان تقيد فيه أسماؤهم، وقد جعل لهم يومًا يفرغ لهم فيه فلا يدخل فيه على الملك غيرهم، وربما كان يوم الاثنين "ص٤٦٨ ج٢: نفح الطيب".
فتأمل ما عسى أن يبلغ عدد قوم يفرد لأسمائهم ديوان وتخصص بهم دار؟ وكان المعتضد داهية يشبه أبا جعفر المنصور، وقد اتخذ خشبًا في ساحة قصره جللها برءوس الملوك والرؤساء عوضًا عن الأشجار التي تكون في القصور، وكان يقول: في مثل هذا البستان فليتنزه! "ص٥٩: المعجب".
وهذا الخبر ينقله كتبة الأوروبيين إلى الشعر المحض فيقولون إنه كان يزرع الورد في جماجم أعدائه، ولابنه المعتمد شيء من مثل هذا، فقد اتخذ في بعض وقائعه..... من جماجم أعدائه مئذنة ثوب عليها المؤذنون؛ ولم يجتمع من فحول الشعراء وأمراء الكلام باب أحد من ملوك الإسلام ما اجتمع بباب الرشيد والصاحب بن عباد والمعتمد هذا، فكان بباب الرشيد مثل أبي نواس وأبي العتاهية والعتابي والنمري وأشجع السلمي ومسلم بن الوليد وأبي الشيص ومروان بن أبي حفصة ومحمد بن مناذر وغيرهم؛ وكان بباب الصاحب بأصبهان وجرجان والري مثل أبي الحسين السلامي وأبي بكر الخوارزمي وأبي طالب المأمون وأبي الحسن البديهي وأبي سعيد الرستمي وأبي القاسم الزعفراني وأبي العباس الضبي وأبي محمد الخازن وأبي الحسن بن عبد العزيز الجرجاني وبني المنجم وابن بابك وابن القاشاني وبديع الزمان والشاشي وكثيرين غيرهم "ص٣٢ ج٣: يتيمة الدهر". وكان بحضرة المعتمد مثل ابن زيدون وابن اللبانة وابن عمار وعبد الجليل بن وهبون وأبي تمام غالب بن رباح الحجام وابن جامع الصباغ، وغيرهم؛ ولا أحدث بالمعتمد وأولاده وأمه العبادية، فكلهم شعراء، وكان يناظر المعتمد المتوكل بن الأفطس، وكان من حضرة بطليموس كالمعتمد بإشبيلية، يتردد أهل الفضائل بينهما كتردد النواسم بين جنتين، وينظر الأدب منهما عن مقلتين، والمعتمد أشعر والمتوكل أكتب "ص٥٨٣ ج٢: نفح الطيب" وكان وزيره ووزير أبيه ابن عبدون الكاتب الشاعر الشهير، وهو الذي سير فيهم القصيدة الخالدة التي أولها:
الدهر يفجع بعد العين بالأثر
وذكر فيها مصارع الملوك إلى زمنهم، وتوفي سنة ٥٢٠هـ.
وكذلك كان بالمرية يومئذ المعتصم بن صمادح، ومن شعرائه ابن الحداد شاعر الأندلس وعمر بن الشهيد وأبو جعفر الخراز البطرني وأبو الوليد النحلي ومحمد بن عبادة الوشاح والأسعد بن بليطة والحكيم الفيلسوف أبو الفضل بن شرف القائل في دولته: