ويدغمها فيه ويسمونه "التخفيف البدلي" فيقولون في "أو أنت": أوّنت، وفي "أبو أيوب": أبوَّيُّوب، هكذا.
فإذا كانت الهمزة المنفصلة مكسورة أو مضمومة فأهل التخفيف لا يدغمونها فيما قبلها بل يقولون في نحو:"أحلبني إبلك" أحلبني بِلَك، وفي نحو:"هذا أبو أمك" أَبُوُمِّك. فيلقون حركة الهمزة على ما قبلها.
أما إن كانت الهمزة في كلمة واحدة -أي: غير منفصلة- نحو: سوأة، وموألة، فإنهم يحذفونها فيقولون: سَوَة، ومَوَلة.
فذلك كما ترى قريب من لغاتنا العامية، وأقرب منه أنهم يحذفون الهمزة بعد المتحرك المبني ويلقون حركتها عليه، فيقولون في نحو:"قال إسحاق، وقال أسامة" قال سحاق، وقال سامة.
وكذلك يحذفون الهمزة إذا كانت أول كلمة وكان آخر الكلمة التي قبلها ألفًا، وفي هذه اللغة: إن كان ما بعد الهمزة حرفًا ساكنًا حذفوا معها الألف التي قبلها لئلا يجتمع ساكنان، فإن لم يكن ذلك أبقوا الألف وحذفوا الهمزة وحدها؛ فيقولون في نحو:"ما أحسن زيدًا": محسن زيدًا. وفي "ما أشد عمرًا": ما شدَّ عَمْرًا، يبقون في هذا المثال الألف التي قبل الهمزة؛ لأن ما بعدها متحرم وهو "الشين".
الإمالة:
٣- من الحروف المستحسنة، الألف التي تمال إمالة شديدة، وذلك أن ينحى بالفتحة نحو الكسرة إلى حد لو زاد صارت الألف ياء؛ وهي الإمالة الكبرى، ويسمونها المحضة، ونطقها كحرف "E َ" أما غيرها فيسمونها الإمالة الصغرى، وبين بين، وبين اللفظين، وتسمى ترقيقًا أيضًا، وهذا خاص بإمالة الفتحة التي قبل الألف فقط: كعابد؛ والمراد من الإمالة إما غرض مناسبة صوت النطق بالفتحة إلى صوت النطق بالكسرة التي قبلها حتى تقرب منها: كعماد، أو التي بعدها: كعالم؛ أو المناسبة لصوت النطق بباء قبلها: كسيَّال، وشيبان؛ أو للتنبيه على أصل الألف الممالة إذا كانت منقلبة عن ياء أو واو مكسورة: كباع، وخاف؛ أو للتنبيه على الحالة التي تصير إليها الألف في بعض الأحوال: كأفعى، وحبلى؛ لأنهما تصيران في التثنية أَفْعَيَان، وحُبْلَيَان١. وسائر أسباب الإمالة وأنواعها مفصل في كتب التصريف ولا تمس حاجتنا إليه، وإنما نقصد منه إلى معنى التاريخ اللغوي فقط.
فأصل التقريب شائع في كلامهم، يقربون الحرف إلى الحرف للشبه بينهما، كما يقربون الصاد من الزاي ونحو -على ما سيأتي- وليست الإمالة مطردة في أهل اللغة الواحدة؛ فإن أهل الحجاز يميل
١ من لغات العرب أن بعضهم يبدل الألف في أفعى وحبلى ياء في الوقف، فيقول: أفعي وحبلي "بكسر العين واللام"، وبعضهم يبدلها واوًا فيقول: أفعو، وحبلو؛ وقال ابن سيده في "المخصص": بعض العرب يجعل الياء والواو ثابتتين في الوصل والوقف. وفي "سر الصناعة": حكى سيبويه عنهم في الوقت: هذه حبلاء، يريدون حبلى، ورأيت رجلاء، يريدون رجلًا؛ وقال: إن الهمزة فيهما بدل من الألف، وحكى أيضًا أنهم يقولون: هو يضربها، بالهمزة، وهذا كله في الوقف.