يريد في كل ذلك القاف. وهذا الحرف يسمى القاف المعقودة، قال أبو حبان في "ارتشاف الضرب": وهي الآن غالبة في لسان من يوجد في البوادي من العرب حتى لا يكاد عربي ينطق إلا بالقاف المعقودة لا بالقاف الخاصة المنقولة على وضعها الخالص على ألسنة أهل الأداء من أهل القرآن.
٥- الضاد الضعيفة، قال سيبويه في مخرجها: إنها تتكلف من الجانب الأيمن، وإن شئت تكلفتها من الجانب الأيسر وهو أخف؛ لأنها من حافة اللسان مطبقة. وقال الفارسي: كما إذا قلت ضَرَبَ ولم تشبع مخرجها "أي: الضاد" ولا اعتمدت عليه ولكن تخفف وتختلس فيضعف إطباقها ويقول السيرافي أنها في لغة قوم ليس في لغتهم ضاد فإذا احتاجوا إلى التكلم بها في العربية اعتضلت عليهم فربما أخرجوها ظاء لإخراجهم إياها من طرف اللسان وأطراف الثنايا، وربما تكلفوا إخراجها من مخرج الضاد فلم يتأت لهم فخرجت بين الضاد والظاء.
٦- الصاد التي كالسين؛ يقربونها من السين لكونهما من مخرج واحد, وهي كبعض لغات المتطرفين من العوام، يقولون في "صالح": سالح.
ومن لغات العرب إبدالهم السين صادًا إذا كان بعدها قاف وكانتا في كلمة واحدة، فيقولون في "سُقْتُ" صقت. وكذا يعتبرون الغين والخاء بمنزلة القاف، يقولون: صالغ وصلخ، في "سالغ وسلخ" وهذه من لغة بني العنبر، وقد قالوا أيضًا: صاطع، وفي "ساطع".
٧- الطاء التي كالتاء، وهي فاشية في لغم عجم أهل الشرق؛ لأن الطاء في أصل لغتهم معدوم، فإذا نطقوا بها تكلفوا ما ليس في لغتهم فارتضخوا هذه اللكنة، فيقولون في "سلطان": سلتان بتفخيم قليل.
٨- الظاء التي كالثاء، وهو حرف يجيء من المبالغة في إفشاء الظاء فتخرج كأنها ثاء مفخمة.
٩- الباء التي كالفاء، وفي نحو: "أصبهان وبلخ" وهي على ضربين. أحدهما لفظ يكون الباء أغلب عليه من الفاء كحرف "P" والآخر لفظ يكون الفاء أغلب عليه، وهما حرفان من حروف المعجم سوى الباء والفاء المخلصين. قال السيرافي: وأظن العرب إنما أخذوا ذلك من العجم لمخالطتهم إياهم.
١٠- الياء كالواو في نحو: قيل وبيع بالإشمام، وهي لغة بعض العرب، يشمون الياء صوت الواو فتخرج كحرف "EU".
١١- الواو التي كالياء في نحو: مذعور وابن بور، ينطقون بها كحرف "U" وهي في لغة كثيرين من قيس وأكثر بني أسد: كفقعس ودُبَير، يجيئون بها بدل واو المد التي بعدها راء مكسورة، فتميل الضمة إلى جهة الكسرة، ويتبع ذلك ميل الواو إلى جهة الياء كما قال سيبويه.
تلك جملة ما عرفوه في مناطق العرب، وهي ولا شك آثار يرتضخونها من لغات أخرى: كالعبرانية والسريانية ولغة الفرس والروم والحبشة وغيرهم ممن خالطوهم في أقدم أزمانهم، ولا يزال ذلك بينًا في مناطق هذه اللغات إلى اليوم.