ولم يرد التشطير في شيء من المأثور عن الأدباء الذين نبغوا في الصناعات، كالصفي ومن في وزنه إلى أواخر القرن [الثاني عشر] .
والعجيب أن أصحاب البديع يعرفون التشطير البديعي، وهو أن يقسم الشاعر بيته شطرين ثم يصدع كل شطر منهما، كقول أبي تمام:
تدبير معتصم بالله منتقم ... لله مرتقب وفي الله مرتغب
ثم لا نجد أحدًا من أصحاب الشروح والحواشي إلى الغباني الذي فرغ من حاشيته سنة ١٢١١هـ يشير إلى هذا النوع، مع أنهم ابتدءوا يبسطون التأليف في أنواع البديع من القرن الثامن، ومع رغبة المتأخرين في الخلوص إلى المناسبات والإفاضة فيما يكتبون، وهذا قطع في أن تسمية الطريقة المعروفة في النظم بالتشطير لم تعرف إلا في القرن الثالث عشر، أما الطريقة نفسها فكانت معروفة في أواخر القرن العاشر وما بعده، ولكنهم كانوا يسمونها "التصدير والتعجيز" وأورد ابن معصوم في السلافة أشياء من ذلك، وذكر في ترجمة القاضي تاج الدين بن إبراهيم المالكي "ص١٣٣ ج٢" أنه كتب تقريظًا على تصدير وتعجيز الشيخ تقي الدين السنجاري لقصيدة المتنبي التي مطلعها:
أجاب دمعي وما الداعي سوى طلل
ومن هذا التقريظ قوله: لعمري لقد نسق ذلك التصدير، نسق التسطير، وسبك ذلك التعجيز، سبك الإبريز؛ فتراه إذا أخرج بيتًا عن معناه، تلاعب به فيما اخترعه من مبناه، وإذا طبق المعنى بالمعنى وأبقاه على أصله، أوصله إلى غاية الإعجاب بفضله ا. هـ.
فإما أن يكون المتأخرون أخذوا لفظة التشطير من النوع البديعي، أو يحتمل أن يكون بعضهم وقف على هذا التقريظ وتحرفت عليه كلمة التسطير بالتشطير، أو نبهته الأولى إلى الثانية. والله أعلم.