من الشعر الذي سماه ابن أبي الأصبغ في كتابه "تحرير التحبير" عندما عد المناحي التي يقول فيها الشعراء، باب السؤال والجواب؛ وبلغ من ولعهم بها أنها كانت ترد على دواوين الإنشاء من الأقطار؛ وكانوا يجرون فيها على طريقة العرب، ويزيدون على ذلك الإشارة إلى الملغز به بالتصحيف والقلب والحذف والتبديل وما أشبهها مما هو من صناعة المعمى، وجملوها بالتورية فزادوها إبداعًا حتى صارت من زينة الشعر، كقول بعضهم في القلم:
وذي خضوع راكع ساجد ... ودمعه من جفنه جاري
مواظب "الخمس" لأوقاتها ... منقطع في خدمة الباري
وقول القاضي صدر الدين بن الآدمي في كشتوان "كستبان":
ما رفيق وصاحب لك تلقا ... هـ معينًا على بلوغ المرام
هو للعين واضح وجلي ... وتراه في غاية "الإبهام"
والأمثلة من أنواع الألغاز كثيرة في كتب الأدب، ولكن من أبعدها غاية وأبدعها آية لغز الشيخ زين بن العجمي وقد كتبه نثرًا، وهو قوله:
سألتك أعزك الله عن سائل لاحظ له في الصدقة..
إلخ "صفحة ٤٨٥ خزانة الأدب".
ومن الألغاز نوع عجيب، وهو أن تلغز في اسم ويأتي في اللغز بما يطابق صورة أحرفه في الرسم من الأشياء، وهو نادر جدا في المأثور عنهم؛ ومنه أن الوليد الوقشي وأبا مروان بن عبد الملك بن سراج القرطبي اجتمعا، وكانا فريدي عصرهما.... إلخ "ص١٢٠: المعمى والألغاز".
أما ألغاز النحاة والفقهاء وأهل الفرائض ومن ينتحلون الحكم والفلسفة فأكثرها مشهور ولا حاجة إلى البحث فيها؛ لأن الفن أغلب عليها، ولسنا في ذلك؛ غير أنا نذكر عجيبة منه لم يتفق مثلها فيما وقفنا عليه من ذلك عينًا أو أثرًا، وتلك أن المولى شمس الدين الغفاري من علماء دولة السلطان بايزيد في القرن الثامن وقفوا له على رسالة ضمنها عشرين قطعة منظومة، كل قطعة منها مسألة من فن مستقل، وقد غير فيها أسماء تلك الفنون بطريق الإلغاز امتحانًا لفضلاء دهره، ولم يقدروا على تعيين فنونها فضلًا عن حل مسائلها. قال صاحب "الشقائق النعمانية": وشرح هذه الرسالة ابنه محمد شاه وعين أسماء الفنون وبين المناسبة فيما ذكره من الألغاز وحل مشكلات مسائلها. ووجه العجب في ذلك مسفر فانظروا فيه.....